مادة صوتية مفرغة(من أسباب محبة الله للعبد)لفضيلة الشيخ عبيد الجابري حفظه الله/ضمن اللقاءات السلفية القطرية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعــــد:
فإنه لمن دواعي سرورنا في هذه الليلة الطيبة المباركة-ليلة الثلاثاء-الأول من شهر الله المحرم لعام اثنين وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة النبي-صلى الله عليه وسلم-، أن يكون معنا عبر الهاتف ومن مدينة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فضيلة الشيخ عبيد بن عبد الله الجابري-حفظه الله تعالى-، في محاضرة بعنوان: (من أسباب محبة الله للعبد).
وذلك ضمن اللقاءات السلفية القطرية، والتي تبث إليكم وعبر الهواء مباشرة عبر شبكة سحاب السلفية-حرسها الله وزادها الله من فضله وتوفيقه-، ونشكر لفضيلة الشيخ إتاحة هذه الفرصة ، ونسأل الله-عز وجل-أن يبارك فيه وفي علمه، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، فليتفضل الشيخ مشكورًا مأجورًا.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وليُّ الصالحين ورب الطيبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد ولد آدم أجمعين-صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وسلم تسليمًا كثيرًا-.

أما بعـــد:
فإن أهل السنة والجماعة وهم أهل الأثر وأهل الحديث والسلفيون، لهم خصائص وميِّزات فضَّلهم الله بها على غيرهم من الطوائف المنتسبة إلى الإسلام، ومن خصائص أهل السنة أنهم: مع النصوص، مع آي التنزيل الكريم، وصحيح سنة النبي-صلى الله عليه وسلم-، وعلى وفق سيرة السلف الصالح.
والسلف الصالح: هم كل من مضى بعد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-على أثره، وأساس السلفيين الصحابة-رضي الله عنهم-، فإنهم هم وحدهم الذين شاهدوا التنزيل وتحملوا شرع الله من نبيه محمد-صلى الله عليه وسلم-، وبلَّغوه إلى من بعدهم.
ومن خصائص أهل السنة وقد قدمت أنهم مع النصوص يعني: يمشون حيث تمشيهم النصوص، ويقفون حيث توقفهم، والإجماع عندهم حجة بنفسه.
أقول: إثبات صفات الله-سبحانه وتعالى-التي أثبتها الله لنفسه في كتابه، أو أثبتها له رسوله-صلى الله عليه وسلم-وصح بها النقل عنه، كما أنهم ينفون عن الله-عز وجل-ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله-صلى الله عليه وسلم-، ومن الصفات التي يثبتها أهل السنة والجماعة لأن الله قد أثبتها لنفسه في كتابه، وصح بها النقل عن نبيه-صلى الله عليه وسلم-(المحبة).
فالمحبة تكون أحيانًا من جانب الله-عز وجل-، فقد جاء في الكتاب الكريم ما لا يحصى من آي التنزيل فيها النص على أن الله-عز وجل-يحب أعمالًا ويحب أهلها، وتارة تكون المحبة أعني: التي جاءت في النصوص من جانب الرب-سبحانه وتعالى-ومن جانب العبد، فإن الله يحب ويحب، وفي هذا كما سيتضح لكم بعد قليل إن شاء الله تعالى رد على من يقول من المتفذلكة من طوائف المبتدعة المتصوفة: (الشأن أن تُحِبْ لا أن تُحَبْ)هذا أولًا.
والمحبة التي ثبتت بالتنزيل الكريم وسنة النبي-صلى الله عليه وسلم-الصحيحة هي أقسام ثلاثة:
أحدها: المحبـة.
والثانية: المـودة.
والثالثة: الْخُلَّة، وهي أعلاها، وهذه خص الله-سبحانه وتعالى-من عباده إبراهيم-صلى الله عليه وسلم-فإنه خليل الله، وكذلك محمد-صلى الله عليه وسلم-فإنه خليل الله، قال-صلى الله عليه وسلم-: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا).
أقول: صلى الله وسلم عليهما، فإذا تقرر هذا فإن أهل السنة والجماعة يثبتون هذه المحبة التي أخبر الله بها وأثبتها، أو أخبر بها رسوله-صلى الله عليه وسلم-وصح بها النقل عنه كما يثبتون سائر الصفات الإلهية، إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل، وجميع الصفات الإلهية معلومة باعتبار ومجهولة باعتبار آخر، فهي معلومة باعتبار معناها، ومجهولة باعتبار كيفيتها.
فالمحبة في اللغة العربية: ضد البغض، فيقال: هذا فلان محب وذاك مبغض، ويقال: فلان يحب فلان ويبغض فلانًا، هذا في اللغة، وأما محبة الله لعباده فإنها لا يكيفها أهل السنة، لأن التكييف قول على الله بلا علم، فلم يطلع الله-سبحانه وتعالى-على كيفية صفاته لا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا.
فإذا تقرر هذا فأقول: ونحن نتحدث إليكم على سبيل الاختصار الذي أرجوا أن يكون مفيدًا غير مخل:
أولًا: من أسباب محبة الله-سبحانه وتعالى-لعبده: محافظته على الفرائض، واستكثاره من النوافل، وأعظم ما افترض الله على عباده، بل هو أصل الدين وأساسه ودونه لا يقبل الله عملًا هو: التوحيد، وبعده سائر الطاعات العملية من الفرائض، نعم والنوافل.
وهذا دليله: الحديث القدسي وهو في صحيح البخاري عن أبي هريرة-رضي الله عنه-، عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: (يقول الله-تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته)(صحيح البخاري/6137).
فهذا الحديث يتضمن أولًا: ما قدمناه من أن من أسباب محبة الله عبده محافظته على فرائض الله، واستكثاره بعد ذلك من النوافل وهي التطوعات، ويقال: المندوبات والمستحبات والمسنونات، أسماء مترادفة لمسمى واحد وهو: كل ما أمر به الشارع وحض عليه ورغب فيه دون إلزام.
ثانيًا: ثمرة هذه المحبة التي ينالها ذلكم العبد رجلًا كان أو امرأة، ما ثمرتها؟.
ثمرتها:
أولًا: أن الله يحبه، ومن أحبه الله-سبحانه وتعالى-فلا يسأل عن حسن حاله ومآله، ففي صحيح البخاري وغيره عن النبي-صلى الله عليه وسلم-: (أن الله إذا أحب عبدًا نادى جبريل إني أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض)الحديث.
ثانيًا: حفظ الله له، وتسديده له (فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)الحديث، فإن الله يحفظ ذلكم العبد الذي نال محبته حين حافظ على الفرائض واستكثر من النوافل يحفظه في سمعه وبصره وفي جوارحه كلها فيكون معه-سبحانه وتعالى-.
وهذا نظيره من الكتاب الكريم قوله-تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)(الأعراف/201)، فتحصل بضميمة الحديث إلى هذه الآية أن الله-سبحانه وتعالى-لا يدع من أحبه لما تقدم من السبب فريسة للشيطان، بل يعجل عليه من نعمته ورحمته ما يتداركه فيثوب إلى رشده.
ثانيًا: التوبة، والمقصود: التوبة النصوح، قال-تعالى-: (.....إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(البقرة/222)، فالتوابون جمع تواب صيغة مبالغة، يعني: أنهم كثيرون التوبة إلى الله-سبحانه وتعالى-يلازمونها تأسيًا برسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وقد صح عنه: (يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إلى الله في اليوم أكثر من سبعين مرة)وفي رواية(مائة مرة).
فالله تواب، والعبد تواب، فتوبة الله على عبده: أنه يقبلها منه، يقبل رجوعه إليه، ويهيئ له من الأسباب ما يعينه على التوبة النصوحة ويمحو بها سيئاته، والعبد تواب: يعني كثير الرجوع إلى الله-سبحانه وتعالى-،(.....إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) والمتطهرون: جمع متطهر وهو كل من لازم الطهارة حسًا ومعنى، قولًا وعملًا واعتقادًا هذا من أثر الإيمان الذي خالطت بشاشته قلبه.

واعلموا معاشر السامعين من المسلمين والمسلمات: أن التوبة النصوح هي: ما جمعت شروطًا سبعة.
أحدها: الإسلام، فمن أسلم وأحسن إسلامه فإن الإسلام يهدم ما قبله، وبهذا الشرط يعلم أنه لا توبة لكافر، فلو أن كافرًا زنى أو سرق أو قتل فتاب وهو على كفره لا يقبلها الله منه، كما قال-تعالى-: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)(الفرقان/23)، وبهذا تعلمون فساد المقولة وبطلانها في بعض الكفار أنهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا فنفعوا الإسلام، قد ينفع كافر الإسلام لكن لا يقبله الله منه في الآخرة، وأما في الدنيا فإنه لا يضيعه، نعم، ولعلنا أشبعنا هذه المسألة في المحاضرة التي كانت بعنوان: (ونضع الموازين بالقسط ليوم القيامة)فلا داعي لإعادته هنا.
الشرط الثاني: الإخلاص، وذلكم أن التوبة عبادة وهي عهد يقطعه المرء على نفسه لربه أنه راجع إليه غير مقارف لما كان عليه من جرم وإثم، فالإخلاص لله والمتابعة لرسوله-صلى الله عليه وسلم-شرطان لا يقبل الله من المرء عبادة حتى يستجمعهما في عبادته.
الشرط الثالث: أن تكون قبل حلول الأجل، واعلموا أيها المسلمون والمسلمات أن الأجل الذي يغلق عنده باب التوبة فلا تقبل من العبد أجلان:
أحدهما: أجل خاص وهو بخويصة كل عبد في نفسه، وهذا الأجل حين تغرغر الروح في الحلقوم، قال-صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يقبل توبة أحدكم ما لم يغرغر).
والأجل الثاني: أجل عام في حق جميع الأمة، فإذا حصل هذا الأجل فلا يقبل إسلام كافر، ولا توبة من فاسق، لكن من كان مؤمنًا حينئذ تجرى له أعماله الصالحة، أتدرون متى هذا الأجل؟، هو حين تطلع الشمس من مغربها، قال-صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل).
الشرط الرابع: الإقلاع عن الذنب بالكلية، ويتم الإقلاع عن الذنب بهجره وهجر أسبابه التي توصل إليه.
الشرط الخامس: الندم على ما فرط في جنب الله.
الشرط السادس: العزم علـى عـدم العـودة.
هذه شروط التوبة عامة، سواءً كانت توبة في حق الخالق أو في حق المخلوق، وتزيد التوبة في حق المخلوق شرطًا سابعًا وهو: التحلل من المظالم ما دام في دار الدنيا، قال-صلى الله عليه وسلم-: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها قبل أن لا يكون دينار ولا درهم).
السبب الثالث: العدل، والعدل هو: وضع الشيء في موضعه فهو يرادف الحكمة، ومعناه: أن المرء يعدل في أحكانه مع القريب والبعيد على السواء، ومن ذلكم: أنه إذا احتكم إليه مسلم وكافر وكان الكافر مصيبًا في دعواه فإنه يوفيه حقه ولا يبخسه، لأنه استقر لدى المسلمين عامة-أعني المنصفين-وأهل السنة خاصة أن الظلم حرام، سواءً كان في حق مسلم أو في حق كافر.
ودليل هذه من كتاب الله-الكريم-قوله-تعالى-: (....وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الحجرات /9)، أي: اعدلوا في الحكم إذا حكمتم فإن الله يحب العادلين في أحكامهم، وهذه الآية هي في سياق ما يجب عمله حيال الفئة الباغية أو الفئتين المتقاتلين وإحداهما باغية على الأخرى متعدية عليها، قال-تعالى-: ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ)يعني: بعد البغي والمقاتلة لها انصاعت إلى حكم الله انقادت إلى حكم الله وحكم رسوله-صلى الله عليه وسلم-(فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الحجرات/9).
ونظير هذه قوله-تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)(النساء/58)، فيتلخص أن الله أمر بالقسط وهو العدل في الأحكام لأنه يحبه ويحب أهله.

ومما اختص به أهل السنة: أنهم لا يجازفون في الحكم بالتفسيق أو التبديع أو التكفير حتى تقوم الحجة الرسالية التي توجبها مخالفة ذلكم الإنسان، فينظرون
أولًا: في دلالة الشرع على مخالفة هذا المخالف، هل هي فسق أو هي بدعة أو كفر، فلا يجاوزون دلالة الشرع على هذه المخالفة، ولها فإنهم يقسمون البدع إلى بدع مكفرة وبدع مفسقة، هذا في الحكم على سبيل العموم، فيقولون: من ذبح لغير الله، من نذر لغير الله فهو كافر، من سب دين الإسلام أو سب الله-عز وجل-أو سب نبيه محمد-صلى الله عليه وسلم-أو نبيًا من أنبياءه فهو كافر، هذا على سبيل الحكم عامة.

وأما بالنسبة للمعين الذي أوجبت مخالفته كفرًا أو فسقًا أو بدعة فإنهم يستصحبون أمرين:
الأمر الأول: دلالة الشرع، على ما دل الشرع بالنسبة لمخالفة هذا الإنسان المعين فلان أو علان.
وثانيًا: انطباق الوصف عليه، وانطباق هذا الوصف على المعين لا بد فيه من اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، وهذه المسألة أشبعها بحثًا سماحة الإمام العلامة الفقيه المجتهد المحقق الشيخ محمد ابن عثيمين-رحمه الله-، فهو سار على درب من سلف من السابقين من أهل العلم، ومرجع ذلكم في الكتاب النفيس الماتع المبارك-القواعد المثلى-، فمن رغب في التفصيل وأحبه ورام البسط فليراجع هذا الكتاب، فسوف يجد فيه إن شاء الله ما يروي له الغليل ويشفي له العليل.
السبب الرابع: الإحسان، قال-تعالى-: (....وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة /195).
والإحسان معناه في اللغة: الإتقان والإتيان بالعمل على وجه الصحيح المقبول.
وأما شرعًا فهو: أن يأتي المرء بما أمره الله به في العبادة والعمل أو في العقيدة والعمل والمعاملة على ما يحبه الله، وذلك على أن يجمع فيه الإخلاص لله والمتابعة لرسوله-صلى الله عليه وسلم-.
واعلموا أن الإحسان أقسام:
أحدها: إحسان المرء إلى نفسه فيما يتعلق في حقوق ربه عليه، يؤدي ما أمر الله به بالشرطين السابقين، ويجتنب ما نهاه الله عنه وهو في هذا وذاك يمتثل امتثالًا صابرًا محتسبًا.
الثاني: إحسان العبد إلى نفسه فيما يتعلق بمجاهدتها، وقهرها، حتى يطوعها لمحاب الله ومراضيه، ومجانبة مساخطه ومغاضبه، بل يجاهدها حتى تصل إلى الكمال أو تقارب الكمال بأن لا يدع لنفسه مجالًا في التقصير، فيفعل كل ما أمر به فرضًا أو نفلًا، نعم.
الثالث: إحسان العبد إلى غيره من مخلوقات الله-عز وجل-، وذلك بأن يؤدي إلى كل ذي حق حقه ويجتهد في ذلك، نعم، ومن أمثلة هذا: قوله-صلى الله عليه وسلم-: (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالًا وعلما فهو يتقي ربه فيه ويصل به رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل)(الحديث/الترمذي/2427).
السبب الخامس: من أسباب محبة الله للعبد الوفاء بالوعد، الوفاء بالعهد، سواءً كان العهد مع كافر أو مع مسلم، لكن فيما وقفنا عليه نجد التشديد والتأكيد هو فيما يتعلق في بالعهد المبرم بين المسلمين والكفار لأن هذا أكثر ما يكون فيه الغدر، والله أعلم، قال-تعالى-: (.....فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة/7)، في هذه الآية:
أولًا: أمر المسلمين بالاستقامة على عهدهم الذي أعطوه الكفار وأن يوفوا به، وذلك حينما يستقيم المشركون على عهدهم، فإذا غدروا عوقبوا، ومن هنا يجب أن يعلم أن الغدر بالعهد مع الكفار جريمة عظيمة، قال-صلى الله عليه وسلم-: (من قتل معاهدًا لم يرح ريحة الجنة)وفي رواية(لم يرح رائحة الجنة)وفي رواية(لم يرح ريحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا)، جاء في بعض الروايات(أربعين عامًا)، (من قتل معاهدًا)يعني: معاهدًا استقام على العهد الذي أعطاه.
والعهد في هذا العصر على ضربين:
الأول: عهد يبرمه حكامنا ويعقدونه مع غير المسلمين-مع الكفار: يهود، نصارى، مجوس-، فيجب على كل مسلم أن يفي بهذا العهد، تبعًا لإمامه.
والثاني: عهد تقتضيه الحال وإن لم يكن وثيقة حررت فيه، وهو إقامة المسلمين في ديار الكفار كالمسلمين في أوروبا وأمريكا والهند ودول الكفر من إفريقيا، فإن هؤلاء المقيمين في ديار الدول الكافرة، هؤلاء أعني: الدول أو هذه الدول استعملتهم ومكنتهم من الإقامة والعمل، فيجب على كل مسلم أن يوفي لهؤلاء فلا يخون خيانة ظاهرة بأن يعتدي لهم على عرض أو نفس أو مال، ولا خيانة خافية كاختلاس الأموال.
وقد سمعنا مما وردنا من الأسئلة في كثير من المحاضرات التي نلقيها في أبناءنا المسلمين في أوروبا وفي أمريكا من يقول هؤلاء كفار، فيسرقون الماء والكهرباء وقد يعبثون في المحاسبات المالية فهذه خيانة وهذا غدر، هذا خيانة الأمانة وهو من علامات النفاق كما قال-صلى الله عليه وسلم-: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان‏)‏‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏‏.‏
وبهذا يعلم: أن ما يسلكه بعض المنتسبين إلى الإسلام من الاعتداء على الأنفس أو الأموال أو الأعراض حيال الكفار في بلد مسلم أو بلد غير مسلم-نصراني أو يهودي أو مجوسي-فإنه خائن للعهد، وهذه الأعمال الفوضوية ليست من الإسلام في شيء وإن كان أهلها منتسبين للإسلام، هي أعمال فوضى وغوغائية، أهلها خوارج عندنا خوارج.
وتيقن لدي وترجح: أن الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله-وهو إمام أثري مجتهد مطلق يكفر الخوارج، وإنا أميل إلى هذا المذهب ولم أجرؤ عليه حتى هذه الساعة لأنه يحتاج إلى مزيد تحقيق عندي.

بهذا القدر نكتفي من الحديث معكم معشر أبناءنا في قطر-حرسها الله وسائر بلاد الإسلام من كل سوء ومكروه، وجمع خواص أهلها وعوامهم على ما رضيه للعباد والبلاد من التوحيد والسنة-، وكذلك هو حديث إليكم معاشر المسلمين والمسلمات حيث كانت وجهتكم، ونبث إليكم هذه الرسالة عبر شبكة سحاب السلفية من طريق أخينا وابننا-محمد بن جديع-ومن حضر معه، وفق الله الجميع لما فيه مراضيه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نسأل الله-عز وجل-أن يجزي الشيخ خير الجزاء، وأن يجعل ما قال في موازين حسناته يوم القيامة.

أسئلة تخللت المحاضرة
السؤال الأول: يشتكي الكثير منا مما يجده في نفسه من قلة العبادة وقسوة القلب، حتى إن البعض لربما تمر عليه السنون ولم تدمع عينه من خشية الله فهل هذا من علامات خذلان الله للعبد؟.
الجواب: أقول: أحيانًا تستحكم الوساوس وتستحوذ فيدخل الشيطان فيهول الأمر، ويغنينا ولله الحمد عن هذه الوساوس قوله-صلى الله عليه وسلم-: (سددوا وقاربوا)فعليكم بالتسديد والمقاربة والاجتهاد في الأعمال الصالحة، واترك الأمر لصاحب الأمر، نعم.
أحسن الله إليكم.
السؤال الثاني: هل من أسباب محبة الله للعبد مجانبة البدع والتحذير من أهلها وبغضهم؟.
الجواب: إن شاء الله، نعم لأنه هذه من محاب الله كونه يحذر البدع ويحذر منها ومن أهلها نعم، لكن هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل وذكرت ما تيسر لي من عصارة علم الأوائل والمعاصرين لنا في شريط بعنوان: (الحد الفاصل)فليراجعه من شاء.
أحسن الله إليكم.
السؤال الثالث: ما هو الخلاص لمن ابتلي بالنظر إلى النساء وإطلاق بصره في الحرام؟.
الجواب: الاستغفار، يستغفر ويجاهد نفسه، يتذكر قول الله-تعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ....)(النور/30)، فمن رحمة الله أنه لم يأمرك أيها المسلم بغض البصر كاملًا، وكذلك المسلمة أمر بالغض منه تبعيض، لكن الفرج أمر بحفظه بالكلية(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ....)(النور/30)، وقال في حق المؤمنات: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ....) (النور/31)، نعم.
أحسن الله إليكم شيخنا.
السؤال الرابع والأخير: يقرر البعض بأنه لا ينبغي تحذير العوام من أعيان المبتدعة، لأنهم لا يقبلون الكلام فيهم وإنما نتدرج معهم في تعلم السنة والبدعة، فإذا أدركوا ذلك ذكرنا لهم الأسماء، فهل هذا التقرير صحيح؟.
الجواب: نعم هذا صحيح، ونحن عليه إن شاء الله تعالى، لأن من دعوتنا-دعوة أهل السنة والجماعة-الحكمة كما قال الله-تعالى-لنبيه-صلى الله عليه وسلم-والخطاب عام يعمه ويعم كل داعية إلى الله على بصيرة: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(النحل/125)، وقال علي-رضي الله عنه-: (حدثوا الناس بما يعرفون).
فعلى الداعية البصير أن ينظر في المصالح والمفاسد، فإذا كان أهل بلد استحكم فيهم حب إنسان بأن يكون إمامهم ولا عرفوا التدين إلا من قبله، وهو يراه مبتدعًا ضالًا فلا يتكلم فيه بشدة، لا يتكلم فيه بشدة، يحبب إليهم السنة وأهلها ويحذر من البدع على سبيل الإجماع كذا بدعة كذا بدعة كذا بدعة وهكذا، حتى يحسن الدخول إلى نفوسهم وتطمئن إليه قلوبهم، هناك يبين لهم.
أما بادئ ذي بدء فهذا خطأ، وكذلك من رؤوس البدع رجال قد يكونون مسئولين في الدولة رئيس مثلًا وزير الشؤون الدينية أو رئيس المحاكم أو قاضي البلد، فهذا لا يحسن التحذير منه، لأنه يضر دعوتنا ولا ينفع، بل تجب مداراته.
في صحيح البخاري عن عائشة-رضي الله عنها-:(أن رجلًا استأذن على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فقال: ائذنوا له بئس أخو العشيرة، فلما دخل عليه هش له وبش وألان له الكلام، فلما خرج من عنده قيل له: يا رسول الله قلت ما قلت ونراك أنت له الحديث وهششت له وبششت، قال: إن شر الناس يوم القيامة من ودعه الناس)يعني: تركوه(اتقاء فحشه)فبعض الناس لا يهجر ولا يحذر منه لأن شره يضر أهل الإسلام، أما صاحب الخطأ الذي هو في نفسه هذا إذا انتصح ولَّا يهجر ولا كرامة له.

قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد.
الثلاثاء الموافق: 1/ محرم/ 1432 للهجرة النبوية الشريفة.
لسماع المادة الصوتية:

(من أسباب محبة الله للعبد)

لتحميل وقراءة الملف منسق:

(من أسباب محبة الله للعبد)
 \
المصدر
شبكة سحاب

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

:: رسالة الكفر بالطاغوت :: للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تأمل رحمك الله وجعلك الله من أهل التوحيد الخلص

ثمار التوحيد في ضوء الكتاب والسنة

اتعرف ماهي عقيدتك يا موحد ! هنااا عقيدة اهل السنهة والجماعة..