النصوص النبوية السديدة صواعق تدك قواعد الحزبية الماكرة الجديدة !

فضيلة العلامة د. ربيع بن هادي بن عمير المدخلي :  الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه . أما بعد : فليعلم أهل السنة والجماعة حقًا لا ادعاءً : أن دعوتهم مستهدفة من أهل الفتن والأهواء ، وأنهم لا يملون من المكايد والشبه والفتن في أوساط أهل السنة والجماعة وبث أسباب الفرقة . ولقد نبتت نابتة في هذه السنين تلبس لباس السنة ولكنها تخالف أهل السنة في أصولهم ومنهجهم وتطبيقاتهم ، وانتحلت هذه النابتة أصولاً لمقاومة منهج أهل السنة وفتاوى علمائهم في رد البدع والتحذير من أهلها ، كما وضعت هذه النابتة أصولاً لرد هذه الفتاوى القائمة على الكتاب والسنة ، مثل :

نحن لا نقلد أحدًا ونحن أصحاب الدليل .
ليس لأحد علينا وصاية ، ولا عندنا بابوات ولا ملالي .

• " إدعاء التثبت " . أي : أنهم يردون فتاوى العلماء وأحكامهم على أهل البدع وتحذيرهم منها ومنهم ؛ بدعوى التثبت بالإضافة إلى أصولهم الآنفة الذكر .

ومن جهة أخري وضعوا أصولاً لحماية أهل البدع وزعمائهم ، ولمواجهة أصول السلف ومنهجهم في نقد البدع وأهلها ، مثل :

" حمل المجمل على المفصل " ، وهم لا يريدون المجمل والمفصل لدى الأصوليين وعلماء الإسلام ، وإنما يريدون مجملاً ومفصلاً ابتدعوه .

" نصحح ولا نجرح ، أو ولا نهدم " ، فيعتبرون نقد البدع وأهلها والتحذير منها هدمًا ، وهم لا يصححون ، وفي المقابل يهدمون أهل السنة ويحاربونهم أشد الحرب ؛ كما يحاربون أصولهم المستمدة من الكتاب والسنة .

• " منهج الموازنات " ، الذي يطبقونه ثم يجحدون مكابرة منهم هذا التطبيق .

• قولهم : " نريد منهجًا واسعًا يسع أهل السنة ، ويسع الأمة " ، ثم يفسرونه تفسيرًا كاذبًا يفضحهم تطبيقهم له ، ومن يتظاهر منهم بعدم تطبيقه يفضحه تأييد ومولاة من يطبقه .

وأنا أسوق - إليك - عددًا من النصوص التي تهدم أصولهم الفاسدة :

• قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) . [ الصف : 2 - 3 ] .

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - : عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية : ( كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : لوددنا أن الله - عز وجل - دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به ، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال : إيمان به لا شك فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به ؛ فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من المؤمنين ، وشق عليهم أمره . فقال الله - سبحانه - : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ) ، وهذا اختيار ابن جرير ، وذكر ابن كثير نحوه عن مقاتل بن حيان ) . [1]

• ومنها حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما شاء الله وشئت ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أجعلتني لله عدلاً . قل : ما شاء الله وحده ) . [2]

الشاهد من الحديث : قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الصحابي الجليل الذي لا يريد إلا إجلال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أجعلتني لله عدلاً ) . وفي لفظ : ( أجعلتني لله ندًا ) .

وله شاهد من حديث قتيلة بنت صيفي الجهنية - رضي الله عنها - قالت : إن حبرًا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : إنكم تشركون ، تقولون : ما شاء الله وشئت ، وتقولون : والكعبة . فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( قولوا : ما شاء الله ثم شئت ، وقولوا : ورب الكعبة ) . [3]

والشاهد منه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يغضب من قول اليهودي بل أقره وأمر أصحابه : أن يقولوا القول الصواب الذي لا يخدش في التوحيد ، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ولا أمر اليهودي بحمل المجمل على المفصل - صلى الله عليه وسلم - وهو الناصح الأمين .

وللحديثين شواهد في الجملة فيها النهي عن قول : ( ما شاء الله وشئت ) .

• قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخطيب من خطباء أصحابه يريد الخير . قال هذا الصحابي في خطبته : ( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ) . فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( بئس خطيب القوم أنت ) .

هذا صحابي جليل - رضي الله عنه - لم يحمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجمله على مفصله وإن كان صحابيًا لا يريد إلا خيرًا .

هذا النص وحده في نظر المؤمنين يدك قواعد من يقول : " حمل المجمل على المفصل " ، و " منهج الموازنات " ، و " نصحح ولا نهدم الأشخاص " ، فهل هناك أشد من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( بئس خطيب القوم أنت ) !؟

فإذا قال خطيب قوم كلامًا باطلاً ، أو قال في كتاب ، أو شريط ببدعة فقلنا له : بئست البدعة بدعتك لحق لنا ذلك ؛ لأننا مستندون إلى جبل عظيم وهو هذا النص النبوي العظيم والموقف المحمدي الكريم .

فلو جاءنا احدهم بقال فلان وقال علان نقول له : سلم للأدلة واعرف قواعد السلف المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله مثل قولهم : ( إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ) . و ( كل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .

وقبل الكل قوله تعالى : ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) . [ النساء : 59 ] .

فإذا كننم تؤمنون بالله واليوم الآخر ! فدعوا هذه القواعد الفاسدة التي تعارض قول الله وقول رسوله وتعارض منهج السلف الصالح .

• ومن النصوص النبوية التي تدك هذه القواعد الفاسدة . قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصحابيين جليلين - رضي الله عنهما - اختصما فقال أحدهما : ( يا للمهاجرين ) ! وقال الأخر : ( يا للأنصار ) ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستنكرًا قولهما : ( أبدعوى الجاهلية ! وأنا بين أظهركم . دعوها فإنها منتنة ) .

لا شك أنهما صحابيان جليلان ، وأصلهما : السنة والصحبة لخير الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وقد خرجا في جهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ولاشك : أنهما وسائر الصحابة الكرام والأمة بعدهم قد استفادوا من هذا الموقف النبوي الكريم الحاسم ، فهل السني الذي يقوله : سين من الناس أفضل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - !؟

وهل " القطبيون " أهل هذه القواعد أعدل وأكثر أنصافًا من خاتم النبيين وأفضل المرسلين وسيد الحلماء الحكماء العادلين !؟

• ومنها : أن الصديقة الجليلة ابنة الصديق زوج الرسول الكريم وأم المؤمنين وأحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - حسبك من صفية كذا وكذا . قال : غير مسدد . تعني : قصيرة . فقال : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ) . قالت : وحكيت له إنسانًا فقال : ( ما أحب أني حكيت إنسانًا وإنَّ لي كذا وكذا ) . [4]

فماذا يقول أهل هذه القواعد " حمل المجمل على المفصل " ، و " الموازنات " ، و " نصحح ولا نجرح أو ولا نهدم " ، و " المنهج الواسع " !؟

أأنتم أحلم وأحكم وأعدل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - !؟

أم أنكم وزعماءكم أفضل من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - !؟

تعالوا بمن شئتم - ممن نجلهم ونكرمهم - فسنقول نحن وإياهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) . [ الحجرات : 1 ] .

وسيقول هؤلاء الأجلاء - إن كان لهم كلام يخالف هذه النصوص باجتهاد منهم أو خطأ - : نعوذ بالله أن نعارض بأقوالنا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وسيقولون : ( إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ) .

وسيتبرأ هؤلاء الأجلاء منكم ومن تتبعكم للسقطات والشبهات التي لا يسلم منها بشر ، وسيوبخونكم أشد التوبيخ على اتخاذ مناهج من أقوالهم تخالف نصوص الشريعة وأصولها .

وانظر إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - خلال كلامه في رده على بعض الناس الذين يتعلقون ببعض قواعد الأئمة فينصرون باطلهم وحيلهم ، قال - رحمه الله - : ( فرب قاعدة لو علم صاحبها ما تفضي إليه لم يقلها ) . " بيان بطلان التحليل " : ( ص 215 ) .

• ومنها : قول علي - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرقه وفاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة فقال : ( ألا تصليان !؟ فقلت : يا رسول الله أنفسنا بيد الله ؛ فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف حين قلت له ذلك ولم يرجع إليَّ شيئًا ثم سمعته وهو مولٍ يضرب فخذه وهو يقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ) . [5]

قال الحافظ ابن حجر : ( فيه جواز ضرب الفخذ عند التأسف ) .

وقال ابن التين : ( كره احتجاجه بالآية المذكورة ، وأراد منه : أن ينسب التقصير إلى نفسه ... ، وفيه منقبة لعلي حيث لم يكتم ما فيه عليه أدنى غضاضة فقدم مصلحة نشر العلم وتبليغه على كتمه ) ، ثم نقل الحافظ عن ابن بطال عن المهلب تفسيرًا يغاير هذا ثم ضعفه بقوله : " وما تقدم أولى " .

ونقل عن النووي أنه قال : ( المختار أنه ضرب فخذه تعجبًا من سرعة جوابه وعدم موافقته له على الاعتذار بما اعتذر به . والله أعلم ) . [6]

• ومنها : عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : ساببت رجلاً فعيرته بأمه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية ، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم ) . [7]

قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث : ( واستدل [8] أيضًا بقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر : فيك جاهلية ، أي : خصلة جاهلية ، مع أن منـزلة أبي ذر في الذروة العالية ، وإنما وبخه بذلك على عظيم منـزلته عنده تحذيرًا له عن معاودة مثل ذلك ، لأنه وإن كان معذورًا بوجه من وجوه العذر ، لكن وقوع ذلك من مثله يستعظم أكثر ممن هو دونه ) . انتهى .

وفي الحديث نصح أبي ذر لله وللمسلمين حيث بلغ هذا الحديث الذي فيه زجر للمسلمين من الوقوع في أمور الجاهلية .

وفيه بيان انقياده لله وطاعته لرسول الله حيث صار يسوي بين نفسه وغلامه كما في هذا الحديث نفسه في " البخاري " عن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال : ( إني ساببت رجلاً ... ) . [ الحديث ] .

فأين حمل المجمل على المفصل !؟

وأين قاعدة : " نصحح ولا نهدم !؟

وأين " الموازنات " !؟

• ومنها : حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجع فيؤم قومه ، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة، فانصرف رجل ، فكأن معاذًا تناول منه فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( فتان . فتان . فتان ) - [ ثلاث مرات ] - أو قال : ( فتانًا ، فتانًا ، فتانًا ، وأمره بسورتين من أواسط المفصل ) . [9]

قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث : ( ومعنى الفتنة ها هنا : أن التطويل يكون سببًا لخروجهم من الصلاة وللتكره للصلاة في الجماعة ... وقال الداودي : يحتمل أن يريد بقوله : فتان . أي : معذب لأنه عذبهم بالتطويل ، ومنه قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ ) . قيل معناه : عذبوهم ) .

فهذا معاذ من أفاضل الصحابة ، ومن كبار علمائهم ، وله المنزلة الكبيرة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتأول له قولاً ولا عملاً لا يريد به إلا الخير .

فلم يحمل مجمله على مفصله ، ولم يقل نصحح ولا نجرح ، أو لا نهدم ولم يجر له عملية موازنات ولا غير ذلك من قواعد القوم الباطلة .

فهل من يدافع عنه هؤلاء بهذه القواعد أفضل عند الله وعند الرسول والمؤمنين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - !؟
فاعتبروا يا أولي الأبصار .

• ومنها : أن أبا هريرة قال : اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها ، فاختصموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة ، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم ، فقال حمل بن النابغة الهذلي : يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل !؟ فمثل ذلك يطل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( إنما هذا من إخوان الكهان ) . من أجل سجعه الذي سجع . [10]

قال الحافظ في " الفتح " : (10/229) قوله : ( إنما هذا من إخوان الكهان . أي : لمشابهة كلامه كلامهم ) .

فأين " حمل المجمل على المفصل " !؟

وأين " نصحح ولا نجرح ، أو ولا نهدم " !؟

وأين " منهج الموازنات " !؟

ومن هدي الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الفاروق - رضي الله عنه - :

• (أ) قوله : ( إن ناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ، وإن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر خيرًا ؛ أمناه ، وقربناه ، وليس إلينا من سريرته شيء ، والله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءً ؛ لم نأمنه ، ولم نصدقه ، وإن قال : إن سريرته حسنة ) .

• (ب) وقصة صبيغ المعلومة المشهورة ، وصبيغ من التابعين لا يعرف ببدعة ومع ذلك عاقبه عمر - رضي الله عنه - عقوبات شديدة على أسئلته عن المتشابه .

فلم يحمل في حقه " المجمل على المفصل " ، ولا قال : " نصحح ولا نجرح أو ولا نهدم " ، ولا ذهب " يوازن بين حسناته وسيئاته " ، ولا راعى قاعدة من قواعد هؤلاء الباطلة .

وكذلك غيره من الصحابة وأعلام الأمة، من قال ببدعة قالوا إنها بدعة ومن أخطأ حكموا على كلامه بالخطأ.

ثم إن كتب الجرح والتعديل العام والخاص إنما قامت على الكتاب والسنة وخاصة مثل هذه النصوص التي استدللنا بها وسيرة الصحابة - رضي الله عنهم - .
ولا تعرف هذه الأمة سنيها ولا بدعيها غير هؤلاء هذه القواعد الباطلة .

ولقد خالف أصحاب هذه القواعد أصلاً من أصول الإسلام مجمعًا عليه ؛ ألا وهو الأخذ بالظاهر ، وأنه لا يؤول إلا كلام المعصوم .

قال البقاعي - رحمه الله - في خلال رده على من يتأول كلام ابن الفارض : ( مع أن الفاروق ابن الخطاب - رضي الله عنه - الذي ما سلك فجًا إلا سلك الشيطان فجًا غير فجه ، قد أنكر التأويل لغير كلام المعصوم ، ومنع منه - رضي الله عنه - ، وأهلك كل من خالفه وأراده وبسيف الشرع قتله وأخزاه ، فيما رواه عنه البخاري في كتاب الشهادات من " صحيحه " : إن ناسًا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ، وإن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر خيرًا ؛ أمناه ، وقربناه ، وليس إلينا من سريرته شيء ، والله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءً ؛ لم نأمنه ، ولم نصدقه ، وإن قال : إن سريرته حسنة ) .

وقد أخذ هذا الأثر " الصوفية " ، وأصلوا عليه طريقهم ، منهم صاحب " العوارف " ، استشهد به في " عوارفه " ، وجعله من أعظم معارفه ، فمن خالف الفاروق - رضي الله عنه - ؛ كان أخف أحواله أن يكون رافضيًا خبيثًا ، وأثقلها أن يكون كفارًا عنيدًا .

وهذا الذي سماه الفاروق - رضي الله عنه - ظاهرًا هو الذي يعرف في لسان المتشرعة بالصريح ، وهو ما قابل النص ، والكناية والتعريض .

وقد تبع الفاروق - رضي الله عنه - على ذلك بعد " الصوفية " سائر العلماء ، لم يخالف منهم أحد ؛ كما نقله إمام الحرمين عن الأصوليين كافة ، وتبعه الغزالي ، وتبعهما الناس .

وقال الحافظ زين الدين العراقي : ( إنه أجمع عليه الأمة من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الاجتهاد الصحيح ) .

وكذا قال الإمام أبو عمر بن عبد البر في " التمهيد " .

وأصله إمامنا الشافعي في " الرسالة " ؛ لقول النبي - عليه الصلاة والسلام - : ( إنكم تختصمون إليَّ ، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته ، فأقضي له … ) . [ الحديث ] . رواه الستة عن أم سلمة - رضي الله عنها - في أمثال كثيرة .

وقال الأصوليون كافة : ( التأول إن كان لغير دليل ، كان لعبًا ، وما ينسب إلى بعض المذاهب من تأويل ماهو ظاهر في الكفر فكذب أو غلط منشؤه سوء الفهم … وإنما أولنا كلام المعصوم ؛ لأنه لا يجوز عليه الخطأ ، وأما غيره ؛ فيجوز عليه الخطأ سهوًا وعمدًا ) . [11]

وقال الشوكاني في كتابه " الصوارم الحداد " : ( ص 96 - 97 ) : ( وقد أجمع المسلمون أنه لا يؤول إلا كلام المعصوم ) .

والآن ننتظر من هؤلاء القوم الموقف النهائي من هذه النصوص العظيمة من القرآن والسنة النبوية ومن إجماع علماء الأمة هل سينقادون لها كما يدعون أنهم أصحاب دليل ، أو سيعاملونها كمعاملة أقوال وفتاوى وأحكام علماء السنة !؟

نسأل الله لهم الهداية إلى إدراك الحق وتعظيم هذه النصوص الربانية والنبوية والسلفية والانقياد لها .

إن ربنا لسميع الدعاء ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .



-----------------
[1] " تفسير ابن كثير " : (8/132) .
[2] أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " : (783) ، وابن ماجة (2117) ، وأحمد (1/213 و 224) ، وحسنه الألباني في " الصحيحة " : (1/266) .
[3] أخرجه أحمد (6/371 - 372) ، والنسائي (6/9) كتاب الأيمان وفيه : ( إنكم تنددون وإنكم تشركون ) .
[4] أخرجه أبو داوود في " الأدب " حديث (4875) ، والترمذي (2/82) ، وأحمد (6/189) ، والطحاوي (2/19) وأورده الألباني في " صحيح أبي داوود " وفي " غاية المرام " وصححه وهو كذلك .
[5] أخرجه البخاري في " التهجد " حديث (1127) ، ومسلم في صلاة المسافرين حديث (775) .
[6] انظر " الفتح " : (3/11 - ط : السلفية ) .
[7] أخرجه البخاري في " الإيمان " باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها إلا بارتكاب الشرك حديث (30) ، ومسلم في " الإيمان " حديث (38) .
[8] يعني : الإمام البخاري .
[9] أخرجه البخاري في " الأذان " حديث (701) ، ومسلم في الصلاة حديث (456) وعند مسلم فأخبر معاذ عنه فقال : ( إنه منافق ) .
[10] أخرجه البخاري : (6910 ، 5760) ، ومسلم في " القسامة " حديث (1680) .
[11] " تنبيه الغبي " : ( ص 251 - 253) .

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

:: رسالة الكفر بالطاغوت :: للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تأمل رحمك الله وجعلك الله من أهل التوحيد الخلص

ثمار التوحيد في ضوء الكتاب والسنة

اقوال وحكم...