حقيقة التوحيد والشرك
الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه ، وأمينه على وحيه ، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سلك سبيله ، واهتدى بهداه إلى يوم الدين .
أما بعد :فإن الله عز وجل خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له ، وأرسل الرسل لبيان هذه الحكمة والدعوة إليها ، وبيان تفصيلها وبيان ما يضادها ، هكذا جاءت الكتب السماوية ، وأرسلت الرسل البشرية من عند الله عز وجل للجن والإنس ، وجعل الله سبحانه هذه الدار طريقا للآخرة ، ومعبرا لها ، فمن عمرها بطاعة الله وتوحيده ، واتباع رسله عليهم الصلاة والسلام ، انتقل من دار العمل : وهي الدنيا ، إلى دار الجزاء : وهي الآخرة ، وصار إلى دار النعيم والحبرة والسرور ، دار الكرامة والسعادة ، دار لا يفنى نعيمها ، ولا يموت أهلها ، ولا تبلى ثيابهم ، ولا يخلق شبابهم ، بل في نعيم دائم ، وصحة دائمة ، وشباب مستمر ، وحياة طيبة سعيدة ، ونعيم لا ينفد ، يُنادى فيهم من عند الله عز وجل : « " يا أهل الجنة ، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا » هذه حالهم ولهم فيها ما يشتهون ولهم فيها ما يدعون ، { نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } ، ولهم فيها لقاء مع الله عز وجل كما يشاء ، ورؤية وجهه الكريم جل وعلا .
أما من خالف الرسل في هذه الدار ، وتابع الهوى والشيطان ، فإنه ينتقل من هذه الدار إلى دار الجزاء ، دار الهوان والخسران ، والعذاب والآلام والجحيم ، التي أهلها في عذاب وشقاء دائم ، { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا }، كما قال عز وجل : { إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا }، وقال فيها أيضا : { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا }، وقال فيها جل وعلا : { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ }، والمقصود : أن هذه الدار هي دار العمل ، وهي دار التقرب إلى الله عز وجل بما يرضيه ، وهي دار الجهاد للنفوس ، وهي دار المحاسبة ، ودار التفقه والتبصر في الدين ، والتعاون على البر والتقوى ، والتواصي بالحق والصبر عليه ، والعلم والعمل ، والعبادة والمجاهدة ، قال الله سبحانه وتعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }{ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ }{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }، فخلق الله الجن والإنس وهما : الثقلان لعبادته عز وجل ، لم يخلقهم سبحانه لحاجة به إليهم ، فإنه سبحانه هو الغني بذاته عن كل ما سواه ، كما قال سبحانه : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }{ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ }{ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ }، ولم يخلقهم ليتكثر بهم من قلة ، أو يعتز بهم من ذلة ، ولكنه خلقهم سبحانه لحكمة عظيمة ، وهي : أن يعبدوه ويعظموه ، ويخشوه ، ويثنوا عليه سبحانه بما هو أهله ، ويعلموا أسماءه وصفاته ، ويثنوا عليه بذلك ، وليتوجهوا إليه بما يحب من الأعمال والأقوال ، ويشكروه على إنعامه ، ويصبروا على ما ابتلاهم به ، وليجاهدوا في سبيله ، وليتفكروا في عظمته ، وما يستحق عليهم من العمل ، كما قال عز وجل : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }، وقال تعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } ، وقال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ }{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } ، فأنت : يا عبد الله ، مخلوق في هذه الدار ، لا لتبقى فيها ، ولا لتخلد فيها ، ولكنك خلقت فيها لتنقل منها بعد العمل ، وقد تنقل منها قبل العمل ، وأنت صغير لم تبلغ ، ولم يجب عليك العمل لحكمة بالغة .
فالمقصود : أنها دار ممزوجة بالشر والخير ، ممزوجة بالأخلاط من الصلحاء وغيرهم ، ممزوجة بالأكدار والأفراح ، والنافع والضار ، وفيها الطيب والخبيث ، والمرض والصحة ، والغنى والفقر ، والكافر والمؤمن ، والعاصي والمستقيم ، وفيها أنواع من المخلوقات خلقت لمصلحة الثقلين ، كما قال تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } والمقصود من هذه الخليقة كما تقدم : أن يعظم الله ، وأن يطاع في هذه الدار ، وأن يعظم أمره ونهيه ، وأن يعبد وحده سبحانه وتعالى بطاعة أوامره ، وترك نواهيه ، وقصده سبحانه في طلب الحاجات ، وعند الملمات ، ورفع الشكاوى إليه ، وطلب الغوث منه ، والاستعانة به في كل شيء ، وفي كل أمر من أمور الدنيا والآخرة . فالمقصود من خلقك وإيجادك : يا عبد الله ، هو توحيده سبحانه ، وتعظيم أمره ونهيه ، وأن تقصده وحده في حاجاتك ، وتستعين به على أمر دينك ودنياك ، وتتبع ما جاء به رسله ، وتنقاد لذلك طائعا مختارا ، محبا لما أمر به ، كارها لما نهى عنه ، ترجو رحمة ربك ، وتخشى عقابه سبحانه وتعالى .
والرسل أرسلوا إلى العباد ليُعرِّفوهم هذا الحق ، ويعلموهم ما يجب عليهم ، وما يحرم عليهم ، حتى لا يقولوا : ما جاءنا من بشير ولا نذير ، بل قد جاءتهم الرسل مبشرين ومنذرين ، كما قال سبحانه : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } ، وقال تعالى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } ، وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } .
فهم قد أرسلوا ليوجهوا الثقلين لما قد أرسلوا به ، ويرشدوهم إلى أسباب النجاة ولينذروهم أسباب الهلاك ، وليقيموا عليهم الحجة ، ويقطعوا المعذرة ، والله سبحانه يحب أن يمدح ، ولهذا أثنى على نفسه بما هو أهله ، وهو غيور على محارمه ، ولهذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
فعليك : أن تحمده سبحانه ، وتثني عليه بما هو أهله ، فله الحمد في الأولى والآخرة . وعليك أن تثني عليه بأسمائه وصفاته ، وأن تشكره على إنعامه ، وأن تصبر على ما أصابك ، مع أخذك بالأسباب التي شرعها الله وأباحها لك . وعليك أن تحترم محارمه ، وأن تبتعد عنها ، وأن تقف عند حدوده ؛ طاعة له سبحانه ، ولما جاءت به الرسل .
وعليك : أن تتفقه في دينك ، وأن تتعلم ما خلقت له ، وأن تصبر على ذلك حتى تؤدي الواجب على علم وعلى بصيرة ، قال صلى الله عليه وسلم : « " من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين » وقال صلى الله عليه وسلم : « " من سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة » خرجهما مسلم في صحيحه .
وأعظم الأوامر وأهمها : توحيده سبحانه ، وترك الإشراك به عز وجل ، وهذا هو أهم الأمور ، وهو أصل دين الإسلام ، وهو دين الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم ، وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة ، دون كل من سواه .
هذا هو أصل الدين ، وهو دين الرسل جميعا من أولهم نوح ، إلى خاتمهم محمد عليهم الصلاة والسلام ، لا يقبل الله من أحد دينا سواه ، وهو الإسلام .
وسمي : إسلاما ؛ لما فيه من الاستسلام لله ، والذل له ، والعبودية له ، والانقياد لطاعته : وهو توحيده والإخلاص له . مستسلما له جل وعلا ، وقد أسلمت وجهك لله ، وأخلصت عملك لله ، ووجهت قلبك إلى الله في سرك وعلانيتك ، وفي خوفك وفي رجائك ، وفي قولك وفي عملك ، وفي كل شأنك .
تعلم أنه سبحانه هو الإله الحق ، والمستحق لأن يعبد ويطاع ويعظم ، لا إله غيره ولا رب سواه .
وإنما تختلف الشرائع ، كما قال سبحانه : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا }، أما دين الله فهو واحد ، وهو دين الإسلام ، وهو : إخلاص العبادة لله وحده ، وإفراده بالعبادة : من دعاء ، وخوف ، ورجاء ، وتوكل ، ورغبة ، ورهبة ، وصلاة ، وصوم وغير ذلك ، كما قال سبحانه وبحمده : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } . أي : أمر ألا تعبدوا إلا إياه ، وقال سبحانه : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } . أخبر عباده بهذا ليقولوه ، وليعترفوا به . فعلمهم كيف يثنون عليه ، فقال عز من قائل : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، علمهم هذا الثناء العظيم ، ثم قال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، وجههم إلى هذا سبحانه وتعالى ، فيثنوا عليه بما هو أهله من الحمد والاعتراف بأنه رب العالمين ، والمحسن إليهم ، ومربيهم بالنعم ، وأنه الرحمن ، وأنه الرحيم ، وأنه مالك يوم الدين ، وهذا كله حق لربنا عز وجل .
ثم قال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، إياك نعبد وحدك ، وإياك نستعين وحدك ، لا رب ولا معين سواك ، فجميع ما يقع من العباد هو من الله ، وهو الذي سخَرهم ، وهو الذي هيأهم لذلك ، وأعانهم على ذلك ، وأعطاهم القوة على ذلك ولهذا يقول جل وعلا : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }، فهو سبحانه المنعم ، وهو المستعان والمعبود بالحق جل وعلا .
فأنت : يا عبد الله ، إذا جاءتك نعمة على يد صغير أو كبير ، أو مملوك أو ملك ، أو غيره ، فكله من نعم الله جل وعلا ، وهو الذي ساق ذلك ويسره سبحانه ، خلق من جاء بها وساقها على يديه ، وحرك قلبه ليأتيك بها ، وأعطاه القوة والقلب والعقل ، وجعل في قلبه ما جعل حتى أوصلها إليك .
فكل النعم من الله جل وعلا مهما كانت الوسائل ، وهو المعبود بالحق ، وهو الخالق للعباد ، وهو مربيهم بالنعم ، وهو الحاكم بينهم في الدنيا والآخرة ، وهو الموصوف بصفات الكمال المنزه عن صفات النقص والعيب ، واحد في ربوبيته ، واحد في ألوهيته ، واحد في أسمائه وصفاته ، جل وعلا ، وهو سبحانه له التوحيد من جميع الوجوه ، له الوحدانية في خلقه العباد ، وتدبيره لهم ، ورزقه لهم ، وتصريفه لشئونهم ، لا يشاركه في ذلك أحد سبحانه وتعالى ، يدبر الأمر جل وعلا ، كما قال جل وعلا : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }، وقال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } . وقال سبحانه : { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }{ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا } الآية ، فهو المستحق للعبادة ؛ لكمال إنعامه ، وكمال إحسانه ، ولكونه الخلاق والرزاق ، ولكونه مصرف الأمور ومدبرها ، ولكونه الكامل في ذاته وصفاته وأسمائه . فلهذا استحق العبادة على جميع العباد واستحق الخضوع عليهم ، والعبادة : هي الخضوع والذل ، وسمي الدين عبادة لأن العبد يؤديه بخضوع لله ، وذل بين يديه ، ولهذا قيل للإسلام : عبادة .
تقول العرب : طريق معَبد ، يعني : مذلل ، قد وطأته الأقدام ، حتى صار لها أثر بين يُعرف ، ويقال : بعير معبد : أي قد شد ورحل عليه ، حتى صار له أثر فصار معبدا .
والعبد : هو الذليل المنقاد لله ، المعظم لحرماته ، وكلما كان العبد أكمل معرفة بالله وأكمل إيمانا به ، صار أكمل عباد ة .
ولهذا كان الرسل أكمل الناس عبادة ؛ لأنهم أكملهم معرفة وعلما بالله ، وتعظيما له من غيرهم ، صلوات الله وسلامه عليهم .
ولهذا وصف الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أشرف مقاماته ، فقال سبحانه : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } ، وقال تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ }، وقال تعالى : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ }، إلى غير ذلك .
فالعبودية مقام عظيم وشريف ، ثم زادهم الله فضلا من عنده سبحانه بالرسالة التي أرسلهم بها ، فاجتمع لهم فضلان : فضل الرسالة ، وفضل العبودية الخاصة . فأكمل الناس في عبادتهم لله ، وتقواهم له : هم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ثم يليهم الصديقون الذين كمل تصديقهم لله ولرسله ، واستقاموا على أمره ، وصاروا خير الناس بعد الأنبياء ، وعلى رأسهم : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فهو رأس الصديقين ، وأكملهم صديقية ، بفضله وتقواه ، وسبقه إلى الخيرات ، وقيامه بأمر الله خير قيام ، وكونه قرين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار ، ومساعده بكل ما استطاع من قوة رضي الله عنه وأرضاه .
فالمقصود : أن مقام العبودية ، ومقام الرسالة هما أشرف المقامات ، فإذا ذهبت الرسالة بفضلها ، بقي مقام الصديقية بالعبادة .
الشيخ ابن باز رحمه الله
............يتبع، لتعلم أعظم أصل وبه ينجو العبد،ولتعليمه العامة من الناس
أما بعد :فإن الله عز وجل خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له ، وأرسل الرسل لبيان هذه الحكمة والدعوة إليها ، وبيان تفصيلها وبيان ما يضادها ، هكذا جاءت الكتب السماوية ، وأرسلت الرسل البشرية من عند الله عز وجل للجن والإنس ، وجعل الله سبحانه هذه الدار طريقا للآخرة ، ومعبرا لها ، فمن عمرها بطاعة الله وتوحيده ، واتباع رسله عليهم الصلاة والسلام ، انتقل من دار العمل : وهي الدنيا ، إلى دار الجزاء : وهي الآخرة ، وصار إلى دار النعيم والحبرة والسرور ، دار الكرامة والسعادة ، دار لا يفنى نعيمها ، ولا يموت أهلها ، ولا تبلى ثيابهم ، ولا يخلق شبابهم ، بل في نعيم دائم ، وصحة دائمة ، وشباب مستمر ، وحياة طيبة سعيدة ، ونعيم لا ينفد ، يُنادى فيهم من عند الله عز وجل : « " يا أهل الجنة ، إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا » هذه حالهم ولهم فيها ما يشتهون ولهم فيها ما يدعون ، { نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } ، ولهم فيها لقاء مع الله عز وجل كما يشاء ، ورؤية وجهه الكريم جل وعلا .
أما من خالف الرسل في هذه الدار ، وتابع الهوى والشيطان ، فإنه ينتقل من هذه الدار إلى دار الجزاء ، دار الهوان والخسران ، والعذاب والآلام والجحيم ، التي أهلها في عذاب وشقاء دائم ، { لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا }، كما قال عز وجل : { إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا }، وقال فيها أيضا : { وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا }، وقال فيها جل وعلا : { وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ }، والمقصود : أن هذه الدار هي دار العمل ، وهي دار التقرب إلى الله عز وجل بما يرضيه ، وهي دار الجهاد للنفوس ، وهي دار المحاسبة ، ودار التفقه والتبصر في الدين ، والتعاون على البر والتقوى ، والتواصي بالحق والصبر عليه ، والعلم والعمل ، والعبادة والمجاهدة ، قال الله سبحانه وتعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }{ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ }{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }، فخلق الله الجن والإنس وهما : الثقلان لعبادته عز وجل ، لم يخلقهم سبحانه لحاجة به إليهم ، فإنه سبحانه هو الغني بذاته عن كل ما سواه ، كما قال سبحانه : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }{ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ }{ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ }، ولم يخلقهم ليتكثر بهم من قلة ، أو يعتز بهم من ذلة ، ولكنه خلقهم سبحانه لحكمة عظيمة ، وهي : أن يعبدوه ويعظموه ، ويخشوه ، ويثنوا عليه سبحانه بما هو أهله ، ويعلموا أسماءه وصفاته ، ويثنوا عليه بذلك ، وليتوجهوا إليه بما يحب من الأعمال والأقوال ، ويشكروه على إنعامه ، ويصبروا على ما ابتلاهم به ، وليجاهدوا في سبيله ، وليتفكروا في عظمته ، وما يستحق عليهم من العمل ، كما قال عز وجل : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }، وقال تعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } ، وقال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ }{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } ، فأنت : يا عبد الله ، مخلوق في هذه الدار ، لا لتبقى فيها ، ولا لتخلد فيها ، ولكنك خلقت فيها لتنقل منها بعد العمل ، وقد تنقل منها قبل العمل ، وأنت صغير لم تبلغ ، ولم يجب عليك العمل لحكمة بالغة .
فالمقصود : أنها دار ممزوجة بالشر والخير ، ممزوجة بالأخلاط من الصلحاء وغيرهم ، ممزوجة بالأكدار والأفراح ، والنافع والضار ، وفيها الطيب والخبيث ، والمرض والصحة ، والغنى والفقر ، والكافر والمؤمن ، والعاصي والمستقيم ، وفيها أنواع من المخلوقات خلقت لمصلحة الثقلين ، كما قال تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } والمقصود من هذه الخليقة كما تقدم : أن يعظم الله ، وأن يطاع في هذه الدار ، وأن يعظم أمره ونهيه ، وأن يعبد وحده سبحانه وتعالى بطاعة أوامره ، وترك نواهيه ، وقصده سبحانه في طلب الحاجات ، وعند الملمات ، ورفع الشكاوى إليه ، وطلب الغوث منه ، والاستعانة به في كل شيء ، وفي كل أمر من أمور الدنيا والآخرة . فالمقصود من خلقك وإيجادك : يا عبد الله ، هو توحيده سبحانه ، وتعظيم أمره ونهيه ، وأن تقصده وحده في حاجاتك ، وتستعين به على أمر دينك ودنياك ، وتتبع ما جاء به رسله ، وتنقاد لذلك طائعا مختارا ، محبا لما أمر به ، كارها لما نهى عنه ، ترجو رحمة ربك ، وتخشى عقابه سبحانه وتعالى .
والرسل أرسلوا إلى العباد ليُعرِّفوهم هذا الحق ، ويعلموهم ما يجب عليهم ، وما يحرم عليهم ، حتى لا يقولوا : ما جاءنا من بشير ولا نذير ، بل قد جاءتهم الرسل مبشرين ومنذرين ، كما قال سبحانه : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } ، وقال تعالى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } ، وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } .
فهم قد أرسلوا ليوجهوا الثقلين لما قد أرسلوا به ، ويرشدوهم إلى أسباب النجاة ولينذروهم أسباب الهلاك ، وليقيموا عليهم الحجة ، ويقطعوا المعذرة ، والله سبحانه يحب أن يمدح ، ولهذا أثنى على نفسه بما هو أهله ، وهو غيور على محارمه ، ولهذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
فعليك : أن تحمده سبحانه ، وتثني عليه بما هو أهله ، فله الحمد في الأولى والآخرة . وعليك أن تثني عليه بأسمائه وصفاته ، وأن تشكره على إنعامه ، وأن تصبر على ما أصابك ، مع أخذك بالأسباب التي شرعها الله وأباحها لك . وعليك أن تحترم محارمه ، وأن تبتعد عنها ، وأن تقف عند حدوده ؛ طاعة له سبحانه ، ولما جاءت به الرسل .
وعليك : أن تتفقه في دينك ، وأن تتعلم ما خلقت له ، وأن تصبر على ذلك حتى تؤدي الواجب على علم وعلى بصيرة ، قال صلى الله عليه وسلم : « " من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين » وقال صلى الله عليه وسلم : « " من سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة » خرجهما مسلم في صحيحه .
وأعظم الأوامر وأهمها : توحيده سبحانه ، وترك الإشراك به عز وجل ، وهذا هو أهم الأمور ، وهو أصل دين الإسلام ، وهو دين الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم ، وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة ، دون كل من سواه .
هذا هو أصل الدين ، وهو دين الرسل جميعا من أولهم نوح ، إلى خاتمهم محمد عليهم الصلاة والسلام ، لا يقبل الله من أحد دينا سواه ، وهو الإسلام .
وسمي : إسلاما ؛ لما فيه من الاستسلام لله ، والذل له ، والعبودية له ، والانقياد لطاعته : وهو توحيده والإخلاص له . مستسلما له جل وعلا ، وقد أسلمت وجهك لله ، وأخلصت عملك لله ، ووجهت قلبك إلى الله في سرك وعلانيتك ، وفي خوفك وفي رجائك ، وفي قولك وفي عملك ، وفي كل شأنك .
تعلم أنه سبحانه هو الإله الحق ، والمستحق لأن يعبد ويطاع ويعظم ، لا إله غيره ولا رب سواه .
وإنما تختلف الشرائع ، كما قال سبحانه : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا }، أما دين الله فهو واحد ، وهو دين الإسلام ، وهو : إخلاص العبادة لله وحده ، وإفراده بالعبادة : من دعاء ، وخوف ، ورجاء ، وتوكل ، ورغبة ، ورهبة ، وصلاة ، وصوم وغير ذلك ، كما قال سبحانه وبحمده : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } . أي : أمر ألا تعبدوا إلا إياه ، وقال سبحانه : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } . أخبر عباده بهذا ليقولوه ، وليعترفوا به . فعلمهم كيف يثنون عليه ، فقال عز من قائل : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، علمهم هذا الثناء العظيم ، ثم قال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، وجههم إلى هذا سبحانه وتعالى ، فيثنوا عليه بما هو أهله من الحمد والاعتراف بأنه رب العالمين ، والمحسن إليهم ، ومربيهم بالنعم ، وأنه الرحمن ، وأنه الرحيم ، وأنه مالك يوم الدين ، وهذا كله حق لربنا عز وجل .
ثم قال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، إياك نعبد وحدك ، وإياك نستعين وحدك ، لا رب ولا معين سواك ، فجميع ما يقع من العباد هو من الله ، وهو الذي سخَرهم ، وهو الذي هيأهم لذلك ، وأعانهم على ذلك ، وأعطاهم القوة على ذلك ولهذا يقول جل وعلا : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }، فهو سبحانه المنعم ، وهو المستعان والمعبود بالحق جل وعلا .
فأنت : يا عبد الله ، إذا جاءتك نعمة على يد صغير أو كبير ، أو مملوك أو ملك ، أو غيره ، فكله من نعم الله جل وعلا ، وهو الذي ساق ذلك ويسره سبحانه ، خلق من جاء بها وساقها على يديه ، وحرك قلبه ليأتيك بها ، وأعطاه القوة والقلب والعقل ، وجعل في قلبه ما جعل حتى أوصلها إليك .
فكل النعم من الله جل وعلا مهما كانت الوسائل ، وهو المعبود بالحق ، وهو الخالق للعباد ، وهو مربيهم بالنعم ، وهو الحاكم بينهم في الدنيا والآخرة ، وهو الموصوف بصفات الكمال المنزه عن صفات النقص والعيب ، واحد في ربوبيته ، واحد في ألوهيته ، واحد في أسمائه وصفاته ، جل وعلا ، وهو سبحانه له التوحيد من جميع الوجوه ، له الوحدانية في خلقه العباد ، وتدبيره لهم ، ورزقه لهم ، وتصريفه لشئونهم ، لا يشاركه في ذلك أحد سبحانه وتعالى ، يدبر الأمر جل وعلا ، كما قال جل وعلا : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }، وقال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } . وقال سبحانه : { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }{ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا } الآية ، فهو المستحق للعبادة ؛ لكمال إنعامه ، وكمال إحسانه ، ولكونه الخلاق والرزاق ، ولكونه مصرف الأمور ومدبرها ، ولكونه الكامل في ذاته وصفاته وأسمائه . فلهذا استحق العبادة على جميع العباد واستحق الخضوع عليهم ، والعبادة : هي الخضوع والذل ، وسمي الدين عبادة لأن العبد يؤديه بخضوع لله ، وذل بين يديه ، ولهذا قيل للإسلام : عبادة .
تقول العرب : طريق معَبد ، يعني : مذلل ، قد وطأته الأقدام ، حتى صار لها أثر بين يُعرف ، ويقال : بعير معبد : أي قد شد ورحل عليه ، حتى صار له أثر فصار معبدا .
والعبد : هو الذليل المنقاد لله ، المعظم لحرماته ، وكلما كان العبد أكمل معرفة بالله وأكمل إيمانا به ، صار أكمل عباد ة .
ولهذا كان الرسل أكمل الناس عبادة ؛ لأنهم أكملهم معرفة وعلما بالله ، وتعظيما له من غيرهم ، صلوات الله وسلامه عليهم .
ولهذا وصف الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أشرف مقاماته ، فقال سبحانه : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } ، وقال تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ }، وقال تعالى : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ }، إلى غير ذلك .
فالعبودية مقام عظيم وشريف ، ثم زادهم الله فضلا من عنده سبحانه بالرسالة التي أرسلهم بها ، فاجتمع لهم فضلان : فضل الرسالة ، وفضل العبودية الخاصة . فأكمل الناس في عبادتهم لله ، وتقواهم له : هم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ثم يليهم الصديقون الذين كمل تصديقهم لله ولرسله ، واستقاموا على أمره ، وصاروا خير الناس بعد الأنبياء ، وعلى رأسهم : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فهو رأس الصديقين ، وأكملهم صديقية ، بفضله وتقواه ، وسبقه إلى الخيرات ، وقيامه بأمر الله خير قيام ، وكونه قرين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار ، ومساعده بكل ما استطاع من قوة رضي الله عنه وأرضاه .
فالمقصود : أن مقام العبودية ، ومقام الرسالة هما أشرف المقامات ، فإذا ذهبت الرسالة بفضلها ، بقي مقام الصديقية بالعبادة .
الشيخ ابن باز رحمه الله
............يتبع، لتعلم أعظم أصل وبه ينجو العبد،ولتعليمه العامة من الناس