من هو الغريب ؟

الحمد الله القائل في محكم التنزيل ؛
{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}

وصل الله وسلم على خير من وطئ الثرى القائل:
فطوبى للغرباء« قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : »الذين يَصلُحون إذا فسد الناس« 


فالغربة لا تكون لكل أحد ، وان ادعاها الكثير، وان كان الغريب  غربة الأهل والإخوان ،فلا أحد ينكر مالهذه الغربة من تأثير على النفس وما أشد وطأتها على القلوب ،ولكن...
الغريب هو : العبد التقي النقي الخفي ،القليل في كثير ،يُعْصى فلا يطاع ،أمين فيخون ،كريم فيبتذل، صادق فيكذب ،جليل فيحقْر  ، عزيزٌ فيُذَل

هو حال المؤمن الصابر المحتسب القابض على دينه في زمن تبدلات فيه المفاهيم في عقول العامة ، وتشرفت الأكثرية قلوبهم حب الدنيا ، والتنافس عليها ، والغلبة على حرامها فضلا عن حلالها إلا ما رحم
وتقاعس عن دار البقاء، وسعي أهل الفانية بفناء أنفسهم غير مستدركين الربح الأخروي
وقد صار إقبال النّاس وإنكبابهم اليوم على أمر الدّنيا وإصلاحها ولو بفساد دينهم.
قال ابن عقيل رحمه الله : 
" من عجيب ما قدمت في أحوال النّاس كثرة ما ناحوا على خراب الدّيار وموت الأقارب والأسلاف، والتّحسّر على الأرزاق وذمّ الزّمان وأهله ، وذكر نكد العيش فيه وقد رأوا من انهدام الإسلام وشعث الأديان وموت السّنن وظهور البدع وارتكاب المعاصي وتقضّي العمر في الفارغ الّذي لا يجدي، فلا أحد منهم ناح على دينه ولا بكى على فارط عمره ولا تأسّى على فائت دهره، ولا أرى ذلك إلاّ لقلّة مبالاتهم بالأديان وعظم الدّنيا في عيونهم ضدّ ما كان عليه السّلف الصّالح يرضون بالبلاغ وينوحون على الدّين... "انتهى .
فلأجل غربة الإسلام وانطماس معالمه العظام وإكباب النّاس على جمع الحطام
 قال ابن سحمان رحمه الله :
على الدّين فليبك ذوو العلم والهدى *** فقد طمست أعلامه في العوالم
وقد صار إقبال الورى واحتيالهم *** على هذه الدّنيا وجمع الدّراهم
وإصلاح دنياهم بإفساد دينهم *** وتحصيل ملذوذاتها والمطاعم


فالغريب:
هو غريب الدين والأخلاق والقيم ،هو غريب النهج والطريقة السلفية الطائفة المنصورة

الذي قال عنه تلميذ شيخ الإسلام : ابن القيم رحمه الله
".. فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون ولقلتهم في الناس جداً سُمُّوا غرباء ، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات , فأهل الإسلام في الناس غرباء .
والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء ,وأهل العلم في المؤمنين غرباء ، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- منهم غرباء . والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين . هم أشد هؤلاء غربة . ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً ، فلا غربة عليهم ، وإنما غربتهم بين الأكثرين«. 

وقال أيضاً :
« ومن صفات هؤلاء الغرباء -الذين غبطهم النبي -صلى الله عليه وسلم- - التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس ، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة. بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده ، وإلى رسوله بالإتباع لما جاء به وحده . وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً وأكثر الناس ، بل كلهم لائم لهم . فلغربتهم بين هذا الخلق : يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم »

ومن أقوال السلف في هذه الغربة :


يقول  قال الأوزاعي:  «أما إنه ما يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة ، ترفقوا - يرحمكم الله- فإنكم من أقل الناس» .

وقال الحسن : المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها ولا ينافس في عزها للناس حال وله حال الناس منه في راحة وهو من نفسه في تعب .

وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي - وكان من كبار العارفين في زمان أبي سليمان الداراني - :
 « إني أدركت من الأزمنة زماناً عاد فيه الإسلام غريباً كما بدأ، وعاد وصف الحق فيه غريباً كما بدأ، إن ترغب إلى عالم وجدته مفتوناً بحب الدنيا، يحب التعظيم والرئاسة، وإن ترغب فيه إلى عابد وجدته جاهلاً في عبادته مخدوعاً صريعاً غرره إبليس قد صعد به إلى أعلى درجة العبادة، وهو جاهل بأدناها ، فكيف له بأعلاها، وسائر ذلك من الرعاع ، همج عوج ، وذئاب مختلسة ، وسباع ضارية ، وثعالب ضوار» .

 وبعد أن أورد ابن رجب هذا الأثر عقب عليه قائلاً: "فهذا وصف أهل زمانه فكيف بما حدث بعده من العظائم والدواهي التي لم تخطر بباله ولم تدر في خياله؟"

 ونحن ماذا عسانا أن نقول عن زماننا !!!


ويقول العلامة سليمان السحمان في منظومته :
إلى الله نشكو غربة الدين والهدى**وفقدانه من بين من راح أو غدا
فعاد غريبا مثل ما كان قد بدا**على الدين فليبكي ذوو العلم والهدى

و قال ابن رجب :'
وهؤلاء الغرباء قسمان:
أحدهما: من يصلح نفسه عند فساد الناس،
 والثاني: من يُصلح ما أفسد الناس، وهو أعلى القسمين وأفضلهما'.

وقال الأمام الأجري رحمه الله :
" من أحب أن يبلغ مراتب الغرباء فليصبر على جفاء أبويه وزوجته وإخوانه وقرابته .
فإن قال قائل : فلم يجفوني وأنا لهم حبيب وغمهم لفقدي إياهم إياي شديد ؟ قيل : لأنك خالفتهم على ما هم عليه من حبهم الدنيا وشدة حرصهم عليها ، ولتمكن الشهوات من قلوبهم ما يبالون ما نقص من دينك ودينهم إذا سلمت لهم بك دنياهم ، فإن تابعتهم على ذلك كنت الحبيب القريب ، وإن خالفتهم وسلكت طريق أهل الآخرة باستعمالك الحق جفا عليهم أمرك ، فالأبوان متبرمان بفعالك، والزوجة بك متضجرة فهي تحب فراقك، والإخوان والقرابة قد زهدوا في لقائك. فأنت بينهم مكروب محزون، فحينئذ نظرت إلى نفسك بعين الغربة فأنست بمن شاكلك من الغرباء ، واستوحشت من الإخوان والأقرباء ، فسلكت الطريق إلى الله الكريم وحدك ، فإن صبرت على خشونة الطريق أياماً يسيرة واحتملت الذل والمداراة مدة قصيرة ، وزهدت في هذه الدار الحقيرة أعقبك الصبر أن ورد بك إلى دار العافية، أرضها طيبة ورياضها خضرة، وأشجارها مثمرة ، وأنهارها عذبة ".


فَيَا مِحْنَةَ الإسْلامِ مِنْ كُلِّ جَاهِلٍ *** وَيَا قِلّـَةَ الأَنْصَارِ مِنْ كُلِّ عَالِمِ
وَهَذَا أَوَانُ الصَّبْرِ إنْ كُنْتَ حَازِمًا *** عَلَى الدِّينِ فَاصْبِرْ صَبْرَ أَهْلِ الْعَزَائِمِ
فَمَـنْ يَتَمَسَّكْ بِالْحَنِـيفِيَّةِ الَّتِي *** أَتَـتْنَا عَنِ الْمَعْصُومِ صَفْوَةِ آدَمِ
لَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ امْرَأً مِنْ ذَوِي الْهُدَى*** مِنَ الصَّحْبِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ الأَكَارِمِ
فَنُحْ وَابْكِ وَاسْتَنْصِرْ بِرَبِّكَ رَاغِبًا *** إلَيْهِ فَـإنَّ اللهَ أَرْحَـمُ رَاحِـمِ
لِيَنْصُرَ هَذَا الدِّينَ مِنْ بَعْدِ مَا عَفَتْ *** مَعَالِمُهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ الْعَوَالِمِ
وَصَلِّ عَلَى الْمَعْصُومِ وَالآلِ كُلِّهِمْ *** وَأَصْحَابِهِ أَهْـلِ التُّقَى وَالْمَكَارِمِ

فالغربة غربة أهل الله وأهل سنة رسوله بين هذا الخلق وهي الغربة التي مدح رسول الله أهلها وأخبر عن الدين الذي جاء به أنه بدأ غريبا وأنه سيعود غريبا كما بدأ وأن أهله يصيرون غرباء 

و أهل هذه الغربة هم أهل الله حقا فإنهم لم يأووا إلى غير الله ولم ينتسبوا إلى غير رسوله ولم يدعوا إلى غير ما جاء به وهم الذين فارقوا الناس أحوج ما كانوا إليهم فإذا انطلق الناس يوم القيامة مع آلهتهم بقوا في مكانهم فيقال لهم ألا تنطلقون حيث انطلق الناس 
فيقولون فارقنا الناس ونحن أحوج إليهم منا اليوم وإنا ننتظر ربنا الذي كنا نعبده 

فهذه الغربة لا وحشة على صاحبها بل هو آنس ما يكون إذا استوحش الناس وأشد ما تكون وحشته إذا استأنسوا فوليه الله ورسوله والذين آمنوا وإن عاداه أكثر الناس وجفوه .

وفي حديث القاسم عن أبي إمامة عن النبي قال عن الله تعالى إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاته أحسن عبادة ربه وكان رزقه كفافا وكان مع ذلك غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع وصبر على ذلك حتى لقي الله ثم حلت منيته وقل تراثه وقلت بواكيه "


والغربة أنواع :
فأولها : غربة أهل الحق بين الخلق وهي الغربة الممدوحة ، وهذه الغربة قد تكون في مكان دون مكان، ووقت دون وقت، وبين قوم دون قوم ، أما الغربة المطلقة في كل الأرض فلا تكون إلا قبيل قيام الساعة، أما قبل ذلك فلن تخلو الأرض من قائمين بالحق ولو كانوا قلة، قال تعالى:} فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ...[116]{[سورة هود] . وقال ابن القيم رحمه الله في شرحه 'لمنازل السائرين' عند هذه الآية: الغرباء هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية .

النوع الثاني من الغربة : غربة مذمومة وهي غربة أهل الباطل وأهل الفجور بين أهل الحق فهي غربة بين حزب الله المفلحين وإن كثر أهلها فهم غرباء على كثرة أصحابهم وأشياعهم أهل وحشة على كثرة مؤنسهم يعرفون في أهل الأرض ويخفون على أهل السماء 

أما النوع الثالث فهي غربة مشتركة : لا تحمد و لا تذم و هي الغربة عن الوطن فإن الناس كلهم في هذه الدار غرباء فإنها ليست لهم بدار مقام ولا هي الدار التي خلقوا لها وقد قال النبي  لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " وهكذا هو نفس الأمر لأنه أمر أن يطالع ذلك بقلبه ويعرفه حق المعرفة 

وحي على جنات عدن فإنها ... منازلك الأولى وفيها المخيم 
ولكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلم

وانشد آخر 
كمْ منزلٍ في الأرضِ يَأْلفهُ الفتَى * وحنينهُ أبداً لأوّلِ مَنزلِ

وآخر ؛
بلاديْ وإنْ جارَتْ عليَّ عزيزةٌ * وأهلِي وإنْ ضنُّوا عليَّ كِرامُ


والغريب لا يعرف عند الناس ، ولا يأبه به وان كان من بينهم كما ورد في صفة الغريب في بعض الأحاديث ، منها : حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «  طوبى لعبد مغبرة قدماه في سبيل الله عز وجل ، شاعث رأسه ، إن كانت الساقة كان فيهم ، وإن كان في الحرس كان منهم ، وإن شفع لم يشفع ، وإن استأذن لم يؤذن له ، طوبى له ، ثم طوبى له»

وعن أنس -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
«رب أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله عز وجل لأبره »

وعن سعد بن أبي وقاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: 
«إن الله يحب العبد النقي الغني الخفي» رواه مسلم في صحيحه.


وروى البيهقي في الأسماء والصفات 
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ يَوْمًا فَوَجَدَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا مُعَاذُ؟ قَالَ: يُبْكِينِي حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«....إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ الَّذِينَ إِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ» .

فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون ولقلتهم في الناس جدا، سموا غرباء فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات فأهل الإسلام في الناس غرباء والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء وأهل العلم في المؤمنين غرباء وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا فلا غربة عليهم وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله عز و جل فيهم  :"وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ " 

فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه وغربتهم هي الغربة الموحشة وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم كما قيل 

فليس غريبا من تناءت دياره ... ولكن من تنأين عنه غريب


فكما بدأ الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله وأصحابه هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة فالإسلام الحقيقي غريب جدا وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس 

وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم والشهوات التي هي غايات مقاصدهم وإراداتهم 
فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم وأطاعوا شحهم وأعجب كل منهم برأيه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
( مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمرا لا يد لك به فعليك بخاصة نفسك وإياك وعوامهم فإن وراءكم أياما صبر الصابر فيهن كالقابض على الجمر)
ولهذا جعل للمسلم الصادق في هذا الوقت إذا تمسك بدينه أجر خمسين من الصحابة ففي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني قال سألت رسول الله عن هذه الآية
( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ..)
فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام فإن من وراءكم أيام الصبر الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله قلت :يا رسول الله أجر خمسين منهم قال أجر خمسين منكم )
وهذا الأجر العظيم إنما هو لغربته بين الناس والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم 
فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه وفقها في سنة رسوله وفهما في كتابه وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله وأصحابه فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط
فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه وطعنهم عليه وإزرائهم به وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه, فأما إن دعاهم إلى ذلك وقدح فيما هم عليه فهنالك تقوم قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل ويجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله 

فهو غريب في دينه لفساد أديانهم
 غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع
غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم
غريب في صلاته لسوء صلاتهم
غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم
غريب في نسبته لمخالفة نسبهم
غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم 

وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا فهو عالم بين جهال صاحب سنة بين أهل بدع داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف 

وأى اغترابٍ فوق غربتنا الـتى   ***    لها أضْحَت الأعداءُ فينا تحكَّمُ

وقد زعموا أن الغريب إذا نأى ... وشطت به أوطانه ليس ينعم 

فمن أجل ذا لا ينعم العبد ساعة ... من العمر إلا بعد ما يتألم 



وكيف لا يكون العبد في هذه الدار غريبا وهو على جناح سفر لا يحل عن راحلته إلا بين أهل القبور
 فهو مسافر في صورة قاعد وقد قيل:

وما هذه الأيام إلا مراحل ... يحث بها داع إلى الموت قاصد 
وأعجب شيء لو تأملت أنها ... منازل تطوى والمسافر قاعد ..
.......

أيا وحشتنة من بين تلك المنازل ** ويا وصمة للدين من كل نازل

تكلمت الأوباش وسط المحافل ** فيا محنة الإسلام من كل جاهل

ويا قلة النصار من كل عالم

فنفسك فخزمها إذا كنت حازما ** ومن بابه لا تلتفت كن ملازما

وصبر فرب العرش للشرك هازما **وهذا أوان الصبر إن كنت حازما

على الدين فاصبر صبر أهل عزائم

ومد يدا لله كل عشية **وسل ربك التثبيت في كل لحظة

على ملة الإسلام أزكى البرية ** فمن يتمسك بالحنيفية التي

أتتنا عن المعصوم صفوة آدم

وعض عليها بالنواجذ إذ غدا ** وحيدا من الخلان ما ثم مسعدا

على قلة النصار اصبح واحدا ** له أجر خمسين أمرا من ذوي الهدى

من الصحب أصحاب النبي الأكارم

وكن عن حرام في المآكل ساغبا **ولا تمش من بين العباد مشاغبا

ومد يدا نحو المهيمين طالبا **ونح وابك واستنصر بربك راغبا**

إليه فإن الله أرحم راحم






هذا وصل الله وسلم على خير خلقه محمد  
نفعنا الله واياكم بهذا وجعله خالصاً لوجه 
_____________________________

نبض التوحيد الأسلمية 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

:: رسالة الكفر بالطاغوت :: للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تأمل رحمك الله وجعلك الله من أهل التوحيد الخلص

ثمار التوحيد في ضوء الكتاب والسنة

اقوال وحكم...