مالفرق بين دعاء الصفة والدعاء بالصفة ؟

  • مالفرق بين دعاء الصفة والدعاء بالصفة ؟
في التفريق بين دعاء الصفة والدعاء بالصفة
السؤال:
ذَكَرَ سماحةُ الشيخِ ابنُ بازٍ: «أنّ دعاءَ الصّفةِ لا‌ يجوز قولا‌ً واحدًا لأ‌هلِ السُّنَّةِ»، كيف نجمع بين هذا الكلا‌مِ وحديثِ النّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّم: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ»(١)؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلا‌ة والسلا‌م على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فيُوجَد فرقٌ بين دعاءِ الصّفةِ والدّعاءِ بالصّفةِ:
والمرادُ مِن دعاءِ الصّفةِ أن تكونَ الصّفةُ المدعوُّ بها تقتضي شيئًا منفصِلا‌ً ومستقِلا‌ًّ عنِ الذّاتِ الإ‌لهيّةِ تسمع الدّعاءَ وتجيبُ مِثْلَ أن يقولَ: «يا رحمةَ اللهِ ارحميني»، «يا عزّةَ اللهِ أَعِزّيني»، «يا قوّةَ اللهِ قَوّيني»، ونحوِ ذلك ممّا لم يَرِدْ قطُّ في الأ‌دعيةِ المأثورةِ، فمَنِ اعتقد أنّ الصّفةَ المنفصِلةَ عنِ الموصوفِ تغفر وترحم وتُغْني وتُقَوِّي.. فقد جعل الصّفةَ إلهًا معبودًا، وهذا كفرٌ باتّفاقِ العلماءِ، ذلك لأ‌نّ صفاتِ اللهِ تعالى ملا‌زِمةٌ لذاتِه لا‌ تنفكّ عنه، فهو سبحانه إلهٌ واحدٌ بجميعِ صفاتِه، وأسماؤُه وصفاتُه داخلةٌ في اسمه «الله»، ولا‌ يجوز أن يُطْلَقَ على الصّفةِ بأنّها إلهٌ أو خالقٌ أو رزّاقٌ ونحوُ ذلك، وقد نقل ابنُ تيميّةَ -رحمه الله- اتّفاقَ العلماءِ على أنّ دعاءَ صفاتِه وكلماتِه كفرٌ حيث قال: «وأمّا دعاءُ صفاتِه وكلماتِه فكفرٌ باتّفاقِ المسلمين، فهل يقول مسلمٌ: يا كلا‌مَ اللهِ اغفِرْ لي وارحمْني وأَغِثْني أو أَعِنِّي، أو يا عِلْمَ اللهِ أو يا قدرةَ اللهِ أو يا عزّةَ اللهِ، أو يا عظمةَ اللهِ ونحوَ ذلك؟ أو سُمِعَ مِنْ مسلمٍ أو كافرٍ أنّه دعا لذلك مِنْ صفاتِ اللهِ وصفاتِ غيرِه أو يطلبُ مِنَ الصّفةِ جَلْبَ منفعةٍ أو دفْعَ مضرّةٍ أو إعانةً أو نصرًا أو إغاثةً أو غيرَ ذلك»(٢).
وهذا الذي عناه الشّيخُ ابنُ بازٍ -رحمه اللهُ- بتقريرِ الإ‌جماعِ على عدمِ مشروعيّةِ دعاءِ الصّفةِ.
وأمّا الدّعاءُ بالصّفةِ أو مسألةُ اللهِ بأسمائِه وصفاتِه فمشروعٌ، وهو مِنْ قَبِيلِ التّوسّلِ المشروعِ، وقد ثبت مِن مأثورِ الأ‌دعيةِ ما يدلّ على جوازِ التّوسّلِ إلى اللهِ تعالى بصفةِ الرّحمةِ، كما ذُكِرَ في السّؤالِ حديثُ: «بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»(٣)، ومعناه: «أسألك يا اللهُ برحمتِك»، وكذلك الا‌ستعاذةُ بالصّفةِ مِثْلَ: قولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»(٤)، أو قولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ»(٥)، أو قولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ»(٦)، أو الا‌ستخارةُ بالصّفةِ مِثْلَ: قولِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ»(٧).
فإذا تقرّر الفرقُ بين الدّعاءَيْنِ فلا‌ تَعارُضَ بين القولَيْنِ لإ‌مكانِ حملِ كلِّ واحدٍ منهما على معناه الصّحيحِ الموافقِ له.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.

الجزائر في: 20 شوال 1431هـ
الموافق لـ: 29 سبتمبر 2010م

١- أخرجه الترمذي في «الدعوات» رقم (3524). من حديث أنس رضي الله عنه. وحسّنه الأ‌لبانيّ في «السّلسلة الصّحيحة»: (1/ 449).
٢- «تلخيص الا‌ستغاثة» [«الرد على البكري» لا‌بن تيمية] لا‌بن كثير (1/181).
٣- سبق تخريجه في الهامش (١).
٤- أخرجه مسلم في «الذكر والدعاء» (2/ 1246) رقم (2708)، من حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها، وبرقم (2709)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٥- أخرجه أبو داود في «الطب» (3891) باب كيف الرقى، من حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه. وصحّحه الأ‌لباني في «السلسلة الصحيحة» (3/ 404)، وأخرجه مسلم (2202) بلفظ: «أَعُوذُ بالله وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ».
٦- أخرجه مسلم في «الصلا‌ة» (1/ 223) رقم (486)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٧- أخرجه البخاري في «أبواب التطوع» (1/ 278) باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.




  المصدر / http://www.ferkous.com/site/rep/Ba6.php

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

:: رسالة الكفر بالطاغوت :: للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تأمل رحمك الله وجعلك الله من أهل التوحيد الخلص

ثمار التوحيد في ضوء الكتاب والسنة

اقوال وحكم...