روح كلمة التوحيد وسرها
روح كلمة التوحيد وسرها- للإمام ابن قيّم الجوزية -
إذا كان الحب أصل كل عمل من حق وباطل، فأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله، كما أصل الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله، وكل إرادة تمنع كمال الحب لله ورسوله وتزاحم هذه المحبة ، أو شبهة تمنع كمال التصديق، فهي معارضة لأصل الإيمان أو مضعفة له، فإن قويت حتى عارضت أصل الحب والتصديق كانت كفرا أو شركا أكبر، وإن لم تعارضه قدحت في كماله، وأثرت فيه ضعفا وفتورا في العزيمة والطلب، وهي تحجب الواصل، وتقطع الطالب، وتنكس الراغب، فلا تصح الموالاة إلا بالمعاداة كما قال تعالى عن إمام الحنفاء المحبين أنه قال لقومه: ﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة الشعراء: 75 - 77] .
فلم يصح لخليل الله هذه الموالاة والخلة إلا بتحقيق هذه المعاداة، فإنه لا ولاء إلا بالبراءة من كل معبود سواه، قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه ﴾ [سورة الممتحنة: 4] .
وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [سورة الزخرف: 26 - 28] .أي جعل هذه الموالاة لله، والبراءة من كل معبود سواه كلمة باقية في عقبه يتوارثها الأنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض وهي كلمة: لا إله إلا الله، وهي التي ورثها إمام الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة.
كلمة التوحيد :وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة ونصبت القبلة، وجردت سيوف الجهاد، وهي محض حق الله على جميع العباد، وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار، وهي المنشور الذي لا يدخل الجنة إلا به، والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وبها انقسم الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وبها انفصلت دار الكفر من دار الإيمان، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان، وهي العمود الحامل للفرض والسنة، و «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» .
روح كلمة التوحيد :وروح هذه الكلمة وسرها: إفراد الرب - جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وتبارك اسمه، وتعالى جده، ولا إله غيره - بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك: من التوكل والإنابة والرغبة والرهبة، فلا يحب سواه، وكل ما كان يحب غيره فإنما يحب تبعا لمحبته، وكونه وسيلة إلى زيادة محبته، ولا يخاف سواه، ولا يرجى سواه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرغب إلا إليه، ولا يرهب إلا منه، ولا يحلف إلا باسمه، ولا ينظر إلا له، ولا يتاب إلا إليه، ولا يطاع إلا أمره، ولا يتحسب إلا به، ولا يستغاث في الشدائد إلا به، ولا يلتجأ إلا إليه، ولا يسجد إلا له، ولا يذبح إلا له وباسمه، ويجتمع ذلك في حرف واحد، وهو: أن لا يعبد إلا إياه بجميع أنواع العبادة، فهذا هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، ولهذا حرم الله على النار من شهد أن لا إله إلا الله حقيقة الشهادة، ومحال أن يدخل النار من تحقق بحقيقة هذه الشهادة وقام بها، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ﴾ [سورة المعارج: 33] .
فيكون قائما بشهادته في ظاهره وباطنه، في قلبه وقالبه، فإن من الناس من تكون شهادته ميتة، ومنهم من تكون نائمة، إذا نبهت انتبهت، ومنهم من تكون مضطجعة، ومنهم من تكون إلى القيام أقرب، وهي في القلب بمنزلة الروح في البدن، فروح ميتة، وروح مريضة إلى الموت أقرب، وروح إلى الحياة أقرب، وروح صحيحة قائمة بمصالح البدن.
وفي الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند الموت إلا وجدت روحه لها روحا» فحياة هذه الروح بحياة هذه الكلمة فيها، فكما أن حياة البدن بوجود الروح فيه، وكما أن من مات على هذه الكلمة فهو في الجنة يتقلب فيها، فمن عاش على تحقيقها والقيام بها فروحه تتقلب في جنة المأوى وعيشه أطيب عيش، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [سورة النازعات: 40 - 41] .
من كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء الدواء) ص 195
منقول من مدونة أبو راشد
إذا كان الحب أصل كل عمل من حق وباطل، فأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله، كما أصل الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله، وكل إرادة تمنع كمال الحب لله ورسوله وتزاحم هذه المحبة ، أو شبهة تمنع كمال التصديق، فهي معارضة لأصل الإيمان أو مضعفة له، فإن قويت حتى عارضت أصل الحب والتصديق كانت كفرا أو شركا أكبر، وإن لم تعارضه قدحت في كماله، وأثرت فيه ضعفا وفتورا في العزيمة والطلب، وهي تحجب الواصل، وتقطع الطالب، وتنكس الراغب، فلا تصح الموالاة إلا بالمعاداة كما قال تعالى عن إمام الحنفاء المحبين أنه قال لقومه: ﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة الشعراء: 75 - 77] .
فلم يصح لخليل الله هذه الموالاة والخلة إلا بتحقيق هذه المعاداة، فإنه لا ولاء إلا بالبراءة من كل معبود سواه، قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه ﴾ [سورة الممتحنة: 4] .
وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [سورة الزخرف: 26 - 28] .أي جعل هذه الموالاة لله، والبراءة من كل معبود سواه كلمة باقية في عقبه يتوارثها الأنبياء وأتباعهم بعضهم عن بعض وهي كلمة: لا إله إلا الله، وهي التي ورثها إمام الحنفاء لأتباعه إلى يوم القيامة.
كلمة التوحيد :وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة ونصبت القبلة، وجردت سيوف الجهاد، وهي محض حق الله على جميع العباد، وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار، وهي المنشور الذي لا يدخل الجنة إلا به، والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وبها انقسم الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وبها انفصلت دار الكفر من دار الإيمان، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان، وهي العمود الحامل للفرض والسنة، و «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» .
روح كلمة التوحيد :وروح هذه الكلمة وسرها: إفراد الرب - جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، وتبارك اسمه، وتعالى جده، ولا إله غيره - بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك: من التوكل والإنابة والرغبة والرهبة، فلا يحب سواه، وكل ما كان يحب غيره فإنما يحب تبعا لمحبته، وكونه وسيلة إلى زيادة محبته، ولا يخاف سواه، ولا يرجى سواه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرغب إلا إليه، ولا يرهب إلا منه، ولا يحلف إلا باسمه، ولا ينظر إلا له، ولا يتاب إلا إليه، ولا يطاع إلا أمره، ولا يتحسب إلا به، ولا يستغاث في الشدائد إلا به، ولا يلتجأ إلا إليه، ولا يسجد إلا له، ولا يذبح إلا له وباسمه، ويجتمع ذلك في حرف واحد، وهو: أن لا يعبد إلا إياه بجميع أنواع العبادة، فهذا هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، ولهذا حرم الله على النار من شهد أن لا إله إلا الله حقيقة الشهادة، ومحال أن يدخل النار من تحقق بحقيقة هذه الشهادة وقام بها، كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ﴾ [سورة المعارج: 33] .
فيكون قائما بشهادته في ظاهره وباطنه، في قلبه وقالبه، فإن من الناس من تكون شهادته ميتة، ومنهم من تكون نائمة، إذا نبهت انتبهت، ومنهم من تكون مضطجعة، ومنهم من تكون إلى القيام أقرب، وهي في القلب بمنزلة الروح في البدن، فروح ميتة، وروح مريضة إلى الموت أقرب، وروح إلى الحياة أقرب، وروح صحيحة قائمة بمصالح البدن.
وفي الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند الموت إلا وجدت روحه لها روحا» فحياة هذه الروح بحياة هذه الكلمة فيها، فكما أن حياة البدن بوجود الروح فيه، وكما أن من مات على هذه الكلمة فهو في الجنة يتقلب فيها، فمن عاش على تحقيقها والقيام بها فروحه تتقلب في جنة المأوى وعيشه أطيب عيش، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [سورة النازعات: 40 - 41] .
من كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (الداء الدواء) ص 195
منقول من مدونة أبو راشد