إتحاف الخلان والجماعة بفوائد شرح عقيدة أهل السنة والجماعة . العلامة ابن عثيمين.

الخلان والجماعة بفوائد شرح عقيدة أهل السنة والجماعة . العلامة ابن عثيمين.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين ، أما بعد :
فهذه فوائد جليلة ، اقتنصتها من " شرح عقيدة أهل السنة والجماعة " للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين ، جعل الله تعالى شآبيب الرحمة والرضوان عليه ، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، انتخبتها من هذا الشرح العظيم ، خلال تدريسها و توضيحها لبعض الإخوة ، بعد صلاة الفجر من كل يوم ، فأردت أن أتحف بها إخواني ، راجيا الله تعالى أن يكتب لي بها الأجر ، وأن يدخرها لي سبحانه وتعالى ، في يوم لا ينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
وقد كتبتها على هيأة فوائد متسلسلة ، أعنون لكل فائدة بما يدل عليها ، ويلخصها .
وإلى المقصود والله المستعان :
الفائدة 1 :
إذا دل الكتاب والسنة على شيء ، ولم يأت عن الصحابة ما يخالفه ، فيعني ذلك أنهم مجمعون عليه .
قال - رحمه الله تعالى - :
[ الدليل على علو الله تعالى بذاته بالإجماع :
أن الصحابة – رضي الله عنهم – والتابعين كلهم مقرون بأن الله تعالى فوق كل شيء بذاته ، والدليل على إجماعهم من وجه خفي ، وينبغي لطالب العلم أن يعلمه لما فيه من الفائدة :
يقال مثلا : نصوص الكتاب والسنة دالة على العلو بالذات ، ولم يرد عن الصحابة الكرام قول واحد فسر هذه الأدلة بخلاف ظاهرها ، إذاً هم مجمعون على مدلولها ، ولهذا إذا دل الكتاب والسنة على شيء ، ولم يأت عن الصحابة ما يخالفه ، فيعني ذلك أنهم مجمعون عليه .
وهذا المسلك لإثبات الإجماع قد يخفى على كثير من الناس .].
الفائدة 2 :
مناظرة الشيخ لطائفة من الحلولية :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ اجتمعت في أناس من الذين يقولون – والعياذ بالله - : إن الله بذاته في كل مكان ، وكان ذلك يوم النحر بمنى ، فقلت لهم : أمس كنتم في عرفة ؟ قالوا : نعم .
فقلت : كيف كنتم تدعون الله ؟ تقولون : يا رب وأيديكم إلى الأرض ، أم إلى اليمين ، أم إلى اليسار ؟!!
فقالوا : إنما نرفع أيدينا إلى السماء ، لأن السماء قبلة الداعي !! ، - انظر الشيطان كم لبس- .
سبحان الله ، أنت عندما تستقبل القبلة ، وأنت تدعو تكون قبلتك القبلة ، وليست السماء ، ولكنك ترفع يديك للمدعو لا شك].

الفائدة 3 :
أقسام سمع الله – جل جلاله وتقدست أسماؤه-:
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله تعالى : { وهو السميع البصير } ، السميع من أسماء الله تعالى ، وقسّمه العلماء إلى قسمين :
1- سمع إجابة . 2- سمع إدراك .
سمع الإجابة : قال تعالى : { إن ربي لسميع الدعاء } ، فمعنى لسميع هنا أي : لمجيب ، لأن مجرد السمع ليس فيه ذاك الثناء ، وهذا توسل إلى الله عز وجل أن يجيب الله الدعوى ، والتوسل إلى الله عز وجل بمجرد إدراكه للصوت ليس وسيلة في الواقع ، ولكن التوسل إلى الله بكونه مجيبا للدعاء فيجيب دعاء هذا السائل ، ومنه أيضا قول المصلي : سمع الله لمن حمده ، يعني : استجاب الله لمن حمده .
2- أما سمع الإدراك فينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- تارة يكون للتأييد . 2- تارة يكون للتهديد .
3- تارة يكون لبيان شمول إدراكه عز وجل .
1- أما الإدراك الذي يكون للتأييد : كقوله تعالى لموسى وهارون : { لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } ، هذا ليس مجرد إخبار موسى وهارون أن الله يسمعهما ، ويراهما ، بل المراد التأييد والنصر وما أشبه ذلك .
2- الإدراك الذي يكون للتهديد : كقول الله عز وجل : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } . ، فهذا للتهديد ، بدليل قوله تعالى : { سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق } .
ومثل قوله تعالى : { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم } ، هذا أيضا للتهديد ، لقوله : { بلى ورسلنا لديهم يكتبون } .
3- الإدراك الذي يراد به بيان شمول سمع الله لكل شيء كقوله تعالى : { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى والله يسمع تحاوركما } . ، ولهذا قالت السيدة عائشة – رضي الله عنها – " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد كنت في طرف الحجرة ، وإنه ليخفى علي بعض حديثها " ، هذا المراد به بيان شمول سمع الله تعالى لكل شيء ، فإنك إن تكلمت في بيتك فالله يسمع ، وإن تكلمت في ملأ ، فالله تعالى يسمع ، بل إن حدثت نفسك فالله يعلم ، فإن حركت بلسانك حتى صار قولا فالله يسمع وإن خفي ، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي : " من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " ].
الفائدة 4 :
أقسام بصر الله عز وجل :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ { البصير } معناه ذو البصر ، ويطلق على : العليم ؛ ويطلق على : الرائي ، فهو بصير رؤية ، وبصير علم ، فهو سبحانه وتعالى يرى كل شيء ، وإن خفي ، وإن بعُد ، فإنه تعالى يراه ، لا يغيب عنه شيء .
كذلك البصير بمعنى عليم به ، مثل قوله تعالى : { والله بصير بما تعملون } ، وقوله تعالى : { والله بصير بالعباد } ، وما أشبه ذلك ، فالمعنى عليم بهم ، ولهذا جاءت معداة بالباء ، فيقال بصير بكذا ، ولو كان البصير هنا بمعنى الرؤية ، لقال يبصرهم ، فقوله تعالى : { أبصر به وأسمع } الظاهر أنه يشمل الأمرين جميعا ، وإن كان قد يقول قائل : إن " أسمع " لما ذكر السمع هنا أوّله على أنه بصر الرؤية ، فنقول : إن كونه شاملا أحسن ].
الفائدة 5:
لا بأس أن يحذف ذكر المشيئة إذا قصد الإخبار عما في نفسه في المستقبل لا عن الفعل .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ وقوله تعالى : { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا }.... يستفاد من هذا الجزء من الآية أن الإنسان لا يعلم ماذا يكسب غدا ، وإن قدّر أنه سيفعل كذا فإنه لا يعلم هل سيحصل أو لا ، ولهذا قال الله تعالى لنبيه : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } .
فإذا قال قائل : إني سأزور فلانا غدا ، وهو لا يقصد الفعل ، وإنما يقصد الإخبار عمّا في نفسه ، فإنه لا بأس أن يحذف ذكر المشيئة ، فهذا جائز ، ولهذا جاءت الآية الكريمة : { إني فاعل ذلك غدا } ، أما لو جزم وقال : إني سأزور فلانا غدا يقصد الفعل ، فلا يقول ذلك إلا مقرونا بالمشيئة لقوله تعالى : { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } .
الفائدة 6 :
يصح قول : خبرة الله ، والتي اشتُق منها اسم الخبير .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله : { إن الله عليم خبير } نستفيد من هذا الجزء من الآية علم الله عز وجل ، وخبرته ....] .
الفائدة 7 :
قصة عجيبة يذكرها الشيخ .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله تعالى : { وما تدري نفس بأي أرض تموت } .....وذكر لي أحد الثقات من أصحابنا أنهم كانوا في حج على الإبل ، قبل أن تأتي السيارات ، وخرجوا من مكة ومعهم رجل أمه مريضة ، فارتحل الناس في آخر الليل، وجلس هذا الرجل عند أمه يمرضها ، فلما أصبح ، وإذا القوم قد ساروا ، فذهب في أثرهم فتاه ! ، وكان ذلك في الجبال الحجازية ، وسار يمشي حتى ارتفع النهار ، فإذا خباء قوم صغير بدو ، فذهب إليه فسلم ، وسأل أين طريق نجد ، فقالوا : طريق نجد وراءك بكثير ، لكن انتظر وأنخ البعير ، واسترح ، وسندلك ، يقول : فلما أناخ بعيره ، وأنزل أمه من البعير ، فما أن وصلت إلى الأرض حتى فاضت روحها !! مع أن هذا المكان لا يدري عنه إطلاقا ! ، ولا يفكر أن يصل إليه ! ، لأنه من أهل عنيزة ، ولكن الله تعالى قد قضى أن تموت هذه الأم في ذلك المكان ، فتاهَ الرجل ليصل إلى المكان الذي علم الله تعالى أن المرأة ستموت فيه ، وأمثال هذا كثير] .
قصة أخرى يسوقها الشيخ :
[ ونؤمن بأنه : { ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ، ويعلم مستودعها ، كل في كتاب مبين } . ........ وحدثني رجل أنه كان عند بئر مطمورة – أي ليس بها ماء – فكان يرى حية تخرج كل يوم في الصباح ، وتنصب نفسها كأنها عود ، فيقع عليها طائر فتأكله ، وهذه الحية كانت عمياء لا تستطيع أن تسعى في الأرض تطلب الرزق ، فانظر كيف ساق الله الرزق إليها وهي في جحرها عمياء ولا تستطيع الخروج ، إذن ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ].
وقصة أخرى يسوقها الشيخ :
[ ... وجاء في الحديث : " كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة " .
وحدثني من أثق به أن رجلا كان يمنع زوجته أن تتصدق على أي مسكين يطرق الباب ! ، فطرق الباب مسكين ذات يوم ، وقال : إنه عارٍ ليس عليه ثياب ، تقيه من البرد ، فرقت الزوجة لحاله ، - كما رق أبو هريرة - ، وأعطته كساء وثلاث تمرات ، وكان زوجها نائما في المسجد ، فرأى أن القيامة قد قامت ، وأن الناس في موج عظيم ، وحر شديد ، وشمس محرقة ، وإذا بكساء يعلو رأسه ، وفيه ثلاثة خروق ، فرأى ثلاث تمرات جاءت وسدت هذه الخروق ، فتعجب وانتبه من نومه مذعورا ! ، وقص على زوجته هذه الرؤيا ، ففهمت الزوجة أن هذه الرؤيا سبب الكساء الذي تصدقت به والتمرات ، فقالت له : حدث كذا وكذا ، فقال لها : لا تردي مسكينا بعد اليوم ، فهذا الرجل نبهه الله عز وجل ، وهذا مصداق لحديث : " كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة " ] .
الفائدة 8 :الفرق بين قول الأشاعرة والمعتزلة في صفة الكلام :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... وقالت الأشعرية الذين تذبذبوا بين أهل السنة والمعتزلة قالوا : إن كلام الله تعالى هو المعنى القائم في نفسه ، وما يُسمع فإنه مخلوق خلقه الله تعالى ليعبر عما في نفسه .
فما الفرق إذن بين المعتزلة والأشعرية ؟
الفرق : أن المعتزلة يقولون : لا ننسب الكلام إليه وصفا ، بل فعلا وخلقا .
والأشاعرة يقولون : ننسب الكلام إليه وصفا لا باعتبار أنه شيء مسموع ، وأنه بحروف ، بل باعتبار أنه شيء قائم بنفسه ، وما يسمع أو يكتب فهو مخلوق؛ فعلى هذا يتفق الأشاعرة والمعتزلة في أن ما يُسمع أو يكتب مخلوق ، فالأشاعرة يقولون : القرآن مخلوق ، والمعتزلة يقولون : القرآن مخلوق ، لكن المعتزلة يقولون : إنه كلامه حقيقة ، كما أن السموات خلقه حقيقة ، وقالت الأشاعرة : ليس هو كلام الله تعالى حقيقة ، بل هو عبارة عن كلام الله !! ، فصار الأشاعرة من هذا الوجه أبعد عن الحق من المعتزلة ، وكلتا الطائفتين ظالم ، لأن الكلام ليس شيئا يقوم بنفسه ، والكلام صفة المتكلم ، فإذا كان الكلام صفة المتكلم ، كان كلام الله صفة ، وصفات الله تعالى غير مخلوقة ، إذ إن الصفات تابعة للذات ، فكما أن ذات الرب عز وجل غير مخلوقة ، فكذلك صفاته غير مخلوقة ، وهذا دليل عقلي واضح ...].
الفائدة 9 :
الكلام عن المعية .قال – رحمه الله تعالى - :
[ .... بل الذي لا يليق بالله تعالى أن نفهم من المعية الاختلاط ، والحلول في المكان ، كما قالت الجهمية ، ولهذا لما ظهر هذا القول المبتدع الضال ، صار السلف يقولون : هو معنا بعلمه ، ففسروا المعية بلازمها ، وهو العلم ، على أن لازم المعية ليس العلم فقط ، كما صرح بذلك ابن كثير في " التفسير " ، وصرح به ابن رجب في " جامع العلوم والحكم " ، بل هو معنا بعلمه وسمعه وبصره وسلطانه وقدرته وربوبيته ، وغير ذلك من معاني الربوبية ، لكن فسرها من فسرها من السلف بالعلم ردا على الجهمية الذين قالوا : وهو معنا بذاته في مكاننا ، ولهذا في عبارة السلف – أظنه عبد الله بن المبارك – قال : " ولا نقول كما تقول الجهمية : إنه معنا ها هنا وأشار إلى الأرض " ، فيجب أن نعرف أن السلف قد يفسرون الشيء بالمعنى ، أي بلازمه حذرا من معنى باطل اتخذه الناس في ذلك الوقت ..].
الفائدة 10 :
كلام جميل ومتين في نزول الرب – سبحانه وتعالى - .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ (ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ) ... (ينزل) الفعل مضاف إلى الله تعالى ، فيكون ينزل هو بنفسه ، ولا حاجة إلى نقول : بذاته ، - كما ذكرت قبل قليل - ، لأن كل فعل أضافه الله إلى نفسه ، فهو منسوب إليه نفسه .
(السماء الدنيا ) (الدنيا) : يعني القربى من الناس ، وهي أسفل السموات ، ينزل جل وعلا نزولا يليق به سبحانه وتعالى ، ولا يمكن أن نتصور كيفيته ، ولو حاول الإنسان أن يتصور كيفيته لأنكره ، ولهذا فإن الذين حاولوا أن يتصوروا الكيفية أنكروها ، وقالوا : كيف نؤمن بأنه عال ثم ينزل إلى السماء الدنيا ، هذا مستحيل!! ، فنقول :
لا تحاول أن تتصور الكيفية ، لأنه نزول يليق به ولا ينافي كماله ، والصحابة – رضوان الله عليهم – لما حدثهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا ، ما قالوا : كيف ينزل يا رسول الله ؟ هل هم لا يعرفون ؟! إنهم يعرفون ، لكن عندهم من الأدب مع الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ما منعهم من أن يسألوا كيف ينزل ].
الفائدة 11 :
ضابط الصفات الخبرية .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ قوله : ونؤمن بأن لله تعالى وجها موصوفا بالجلال والإكرام : { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } .
وجه الله عز وجل صفة من صفاته ، والوجه صفة خبرية ، وليس صفة معنوية ، ولا فعلية .
والضابط في الصفات الخبرية المحضة ، قال شيخ الإسلام – رحمه الله – من صفات الله تعالى ما مسماه أبعاض لنا ، وأجزاء لنا .
الوجه مسماه بالنسبة لنا بعض ، واليد كذلك ، وهذه صفات خبرية محضة ، العقل لا يدركها ، ولولا أن الله أخبرنا عنها ما علمنا بها ].
الفائدة 12 :
توجيه التشبيه في قوله تعالى : { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب }.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... { يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب } ، التشبيه هنا تشبيه للطي بالطي ...].
الفائدة 13 :
هل يجوز لنا أن ندعو من على من ينكر رؤية الله بألا يرى الله؟!
قال الشيخ – رحمه الله تعالى - :
[ .. هل لنا أن نقول : اللهم من أنكر رؤيتك في الآخرة فاحرمه منها ؟!!
نعم ، نحن نقول ما قال هو على نفسه ، هو يقول : أنا أحرمهم منها ، ولم ندعُ عليهم عدوانا ، لأنهم لما أنكروا الرؤية ، سيقولون نحن محرومون منها ، سواء دعوتم ، أو لم تدعوا ، وأقول : إن من قال ة: اللهم اجعلهم ممن ينظرون إليك يوم القيامة لكان معتديا في الدعاء ، لأنهم يرون أن رؤية الله الله محال .
وهؤلاء لو دعوت لهم ، وقلت : اللهم اجعل هؤلاء ممن ينظرون إليك يوم القيامة ، فسيقولون : نعوذ بالله !!! ، ولقالوا : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية ، إنه لا يحب المعتدين } ، وإنه معتد في الدعاء ، لأنك سألت ما لا يجوز .
وإذا قلت : اللهم احرم من لا يؤمن برؤيتك في الآخرة ، احرمه من رؤيتك ، فيقولون : أحسنت ، بارك الله فيك ، هذا ما نريد !!!.
لكن في ظني أنه في قرارة نفسه ، لو قلنا أمامه : أسأل الله أن يحرمك من رؤيته يوم القيامة ، سيقشعر جلده ، وسينقبض قلبه ، وإن كان هو بلسانه لا يصدق ، فسوف يرى أن هذا الدعاء عظيم ، لأني أدعو به وأنا مؤمن بأن الله يُرى حقا ، وإنني إذا قلت : اللهم من أنكر رؤيتك في الآخرة فاحرمه منها ، فسوف يتأثر بلا شك ، حتى وإن صمم عنادا ] .
الفائدة 14 :
ثناء الشيخ على كتاب ( دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب ).
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. وقد ألف الشنقيطي – رحمه الله تعالى – صاحب " أضواء البيان " رسالة سماها " دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب " ذكر فيها ما بلغه علمه من الآيات التي ظاهرها التناقض ، وجمع بينهما ، فليرجع إليها فإنها مفيدة ] .
الفائدة 15 :
من كان علمه قليلا .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ومن توهم التناقض في كتاب الله ، أو في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو بينهما ، فذلك إما لقلة علمه ، يعني أن علمه قليل ، ما راجع ، ولا أدرك العلم ، ومن كان علمه قليلا فناد عليه بالجهل ! ] .
الفائدة 16 :
قصة حمار الفروع !.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. يذكر أن بعض الحفاظ كان يحفظ كتاب الفروع في الفقه لمحمد بن مفلح ، أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – وكان – أي ابن مفلح - من أعلم الناس بآراء شيخ الإسلام في الفقه ، حتى كان تلميذ شيخ الإسلام ابن القيم يرجع إلى محمد بن مفلح صاحب الفروع فيما يتعلق بفقه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – وكان أحد الطلبة قد حفظ الكتاب من ألفه إلى يائه حفظا تاما ، كما يحفظ الفاتحة ، ولكن لا يفهم شيئا إطلاقا ، فكان طلاب العلم يأتون إليه ، لأن الكتب في ذلك الوقت قليلة ، يقولون له : ماذا ذكر صاحب الفروع في الفصل الفلاني مثلا ، فيسرد عليهم الفصل والباب ، وكل شيء ، حتى كانوا يلقبونه مع الأسف بحمار الفروع !! لأن الحمار يحمل أسفارا ، ولا يفهم معناها ، وكان في الحقيقة لا ينبغي أن يوصف بهذا ، وكان ينبغي أن يوصف بحافظ الفروع ، لكن على كل حال ، أقول لكم : إن الناس بعضهم يكون قاصر الفهم ، يحفظ ولا يفهم ] .
الفائدة 17 :
مسألة التعمق في فهم صفات الله ، وصفة الشم .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... من ذلك ما يتعلق بصفات الله عز وجل ، فإن هذا معرك ضنك ، وباب ضيق ، وكثير من الطلبة اليوم يريدون أن يوسعوا هذا الباب ، وأنى لهم ذلك ، اللهم إلا بكسره ، والكسر معناه الهدم والدمار ، فبعضهم يتعمق في البحث عن صفات الله عز وجل ، ويثبت ما ليس بلازم ، مثلا : يقول لك : إن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك ، فهل يلزم من ذلك أن الله يشم ؟! وهل يلزم إذا كان يشم أن يكون له أنف ؟ لأن الأنف أداة الشم ، وكما ثبت في الحديث أن لله أصابع ، فيقول : كم عدد أصابع الله عشرة أو عشرون أقل أو أكثر؟! وكل هذا من التنطع المحرم ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " هلك المتنطعون " ، قال ذلك تحذيرا من التنطع ، لأن الصحابة أصفى منا قلوبا ، وأغزر منا علوما ، وأقوى منا فهوما ، وأشد منا حرصا ، لم يسألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم – عن مثل هذا إطلاقا ، ولما قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يمل حتى تملوا " ، ما قالوا : يا رسول الله : هل الله يمل ؟! وأي إنسان يقول : إنهم قالوا : هل الله يمل ، نقول له : هات الدليل ؛ بل سكتوا وعرفوا المراد ، وهكذا يجب علينا يا إخواننا في هذه المسألة الضيقة الضنك ألا نحاول التعمق في البحث عن صفات الله عز وجل ، ما جاءنا قبلناه وكفى بنا فخرا ، وما لم يجئ إلينا سكتنا عنه .
هذا هو الأدب مع الله ورسوله.
والله الموفق ].
الفائدة 18 :
هل يجوز أن نسمي ملك الموت بعزرائيل ؟
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ..ورد في بعض الإسرائيليات أن اسمه عزرائيل ، وليس كذلك ، ولهذا لا يحل لنا أن نسميه عزرائيل لعدم ثبوت ذلك عن الله تعالى ، أو رسوله عليه السلام ، بل نقول كما قال ربنا عز وجل : { ملك الموت } ].
الفائدة 19 :
كلمة رائقة مهمة للدعاة : ينبغي للداعية أن يدعو إلى الله لله لا لنفسه!
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. وهنا نقرر أنه يجب على الداعية أن يشهر نفسه بأنه يدعو إلى الله لا إلى فرض السيطرة أو إتمام الكلمة أو إبراد الغيرة ، لأن هذا خطأ ، أي وسيلة يحصل بها المقصود ، ولو فيها غضاضة عليك فاعملها ، حتى لو شاهدت الرجل يفعل المنكر أمامك ، لكن ترجو أن يصلح فاصبر ، لأن المقصود ليس أن تطفئ حرارة الغيرة ، أو أن تنتقم لنفسك ، بل المقصود إصلاح هذا الرجل ودعوته إلى دين الله عز وجل .
لا تكن ممن يدعو لنفسه ، بل كن ممن يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ حتى لو أفضى الحال أن تضحك في وجه هذا الفاسق من أجل إدخال السرور عليه واستعداده لقبول ما تقول ، فافعل فإنه لا يضر ؛
لقد تنازل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن حق كبير كبير رجاء الإصلاح ، وذلك في غزوة الحديبية ، حصل من جملة الشروط الثقيلة أن يرد هذا الذي جاء معتمرا إلى بيت الله عز وجل ، بينما لو جاء أعرابي من أخبث الناس شركا ليدخل يعتمر ، فلا يُرد .
هذه غضاضة عظيمة ، والتزم عليه الصلاة والسلام بأن لا يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، أملى على الكاتب اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : ما نعرف الرحمن ، اكتب باسمك اللهم ، مع أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الرحمن ؛ ولما قال : هذا ما قضى عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، قال : لا تكتب : رسول الله ! ، لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، ولا صددناك ، قال : اكتب : محمد بن عبد الله ، فكتب ؛ ولكنه قال : " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني " ، حتى لا يفهم فاهم زوال وصف الرسالة له ، فتنازل الرسول – صلى الله عليه وسلم - عن :
1- الصد .
2- منع كتابة الرحمن .
3- منع كتابة رسول الله .
4- من جاء منهم مسلما وجب أن يرده إليهم ، ومن ذهب منا إليهم لا يرد !.
هذا من أثقل ما يكون ، ومع ذلك قبل الرسول – عليه الصلاة والسلام - ، لأنهم أبوا أن يجروا الصلح إلا على هذا ، فما قدموا تنازلا وكانوا معاندين ، وقد أقسم عليه الصلاة والسلام – حين بركت الناقة ألا يسألوا خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجابهم ، ومن ثم فعل عمر ما فعل نحو هذا الشرط ، على كل حال المقصود هو أن الإنسان ينبغي له أن يدعو إلى الله لله لا لنفسه ].
فائدة 20 :
أقسام العلماء .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ العلماء فيما نرى ثلاثة أقسام :
1- عالم دولة : وهو الذي ينظر ما تشتهيه الدولة ، فيلوي أعناق النصوص إلى ما تريد .
2- والثاني : عالم أمة : وهو الذي ينظر إلى ما يصلح للناس ويروق لهم ، فيحرف النصوص من أجل أن يوافق أهواء الناس ، وهذا كثير .
3- الثالث : عالم ملة : وهو الذي يقول بالملة ، وينتصر لها ، وهذا الأخير هو العالم الرباني ].
الفائدة 21 :
موضع يحسن الوقوف عليه .
قال - رحمه الله تعالى - :
[ قوله تعالى : { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب } هنا يحسن الوقف ، ثم تبتدئ فتقول : { وما هو من الكتاب } لأن قوله : { وما هو من الكتاب } رد لقوله : { لتحسبوه من الكتاب } .
وقوله تعالى : { ويقولون هو من عند الله } قف أيضا { وما هو من عند الله } ابتدئ].
الفائدة 22 :
معنى { يلوون ألسنتهم } .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ واللي نوعان :
1- لي معنوي ، وهو التحريف المعنوي .
2- ليٌّ لفظي ، وهو التحريف اللفظي .
وجعل بعض العلماء من اللي اللفظي : أن تتلو النصوص غير القرآنية بتلاوة النصوص القرآنية ، يعني مثلا ، تقرأ الحديث وكأنما تقرأ القرآن ، لأنك إذا قرأت الحديث بنغمة قراءة القرآن أوهم السامع بأنه قرآن ، فيدخل ضمن قوله { يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب }.
الفائدة 23 :
معنى ( ما كان ) ، و ( ما ينبغي ) في الكتاب والسنة .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... وإذا جاء في القرآن { ما كان } فهو نفي : إما لانتفائه شرعا ، وإما لانتفائه كونا ، وإما لانتفائه شرعا وكونا ، المهم أم " ما كان " و " ما ينبغي " و ما أشبه ذلك من التعبيرات في القرآن ، تدل على أن الشيء ممتنع غاية الامتناع ].
الفائدة 24 :
لطيفة تؤخذ من قوله تعالى: { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله } ، وبه الرد على غلاة المتصوفة .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... فالرسل – عليهم الصلاة والسلام – ينهون عن الشرك ، ويأمرون بالتوحيد وتحقيق التوحيد وإكمال التوحيد ، وهم أبعد الناس عن أن يقولوا: كونوا عبادا لنا من دون الله ، ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة : أن من ورث الأنبياء لا يمكن أن يقول للناس : كونوا عبادا لي من دون الله تعالى ، والعلماء ورثة هم الأنبياء ، فلا يمكن لعالم أن يلزم الناس بقوله ، لأنه لو ألزم الناس بقوله ، فكأنما قال : كونوا عبادا لي من دون الله تعالى ، وبهذا نعرف الرد على أولئك المشايخ كبيري العمائم ، الذين يغرون شعوبهم ، ويستخدمونهم تماما ، حتى بلغني أن من المشايخ من يقول : أنا شيخ معصوم ، أنا يحل لي أن أتزوج ألف امرأة !! ، وفعلا يزوجونه!!!.
بعض المشايخ – من جهة ما يقولون لي – إن عنده خمسين امرأة تزوجا لا تسريا !! ، لأنه معصوم ، أو لأنه قد وصل إلى الغاية ! ، ولهذا يقولون : إن عبادة الأنبياء وسيلة ، فإنهم لم يصلوا إلى الغاية ، فعبادتهم عبادة العوام ؛ أما الخواص فعبادتهم خاصة ما يحتاج إلى أمر ونهي ! ، لأنهم وصلوا إلى الغاية ، أرأيت لو سافرت إلى مكة ، فالعصا معك ، والجمل معك ، فإذا وصلت إلى مكة وضعت العصا ، وسيبت الجمل ،
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
فيقولون : العبادات وسائل إلى وصول الغاية والحقيقة ، فإذا وصل الإنسان إلى الحقيقة والغاية فلا أمر ولا نهي ، يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد ، فهذا هو الكفر بعينه ].
فائدة 25 :
مسألة العذر بالجهل .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ..{ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وكان الله عزيزا حكيما } .
هذه الآية فيها رد على الجبرية الذين يقولون : إن الإنسان مجبر على عمله ، لأنه لو كان الإنسان مجبرا على عمله لكان لهم حجة ، سواء بعث إليه الرسل أم لم يبعثوا ، لكن بعث الرسل يقطع الحجة ، وفيه أيضا رد على من قالوا : : إنه لا عذر بالجهل ، لأن الله تعالى قال : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } مفهومه : لولا الرسل لكان للناس على الله تعالى حجة ، لأنهم كانوا جاهلين ، فالصواب الذي لا شك فيه ، والذي تدل عليه الأدلة أن الإنسان معذور بالجهل فيما يفعله ، ثم إن كان ينتسب إلى الإسلام فهو مسلم ، وإن فعل ما يكفر إذا لم تقم عليه الحجة ، وإن كان لا ينتسب إلى الإسلام فهو كافر ، لكنه إذا كانت الحجة لم تبلغه ، فإن القول الراجح أنه يمتحن يوم القيامة بما شاء الله عز وجل ، ثم إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ].
الفائدة 26 :
الرد على من قال : إن إدريس قبل نوح عليهما الصلاة والسلام .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... قوله تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }.
فذكر الله تعالى أنه أرسل نوحا وإبراهيم ، وأن النبوة والكتاب كانت في ذريتهما ، وهذا يدل على أنه لا رسول قبل نوح ، وبهذا نعرف أن من قال من المؤرخين : إن إدريس كان جد نوح ، فهذا قول باطل ، لأنه يستلزم أن يكون هناك رسول قبل نوح ، وهو مخالف للقرآن ؛ وأما السنة فدليلها أن نوحا أول الرسل أنه في حديث الشفاعة المتفق عليه أنهم يأتون إلى نوح ،ويذكرونه بنعمة الله ، ومنها أنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ، وهذا صريح بأن أول الرسل نوح ..].
الفائدة 27 :
عبارة : " الدين صالح لكل زمان ومكان " .
قال - رحمه الله تعالى - :
[ .. ولأنه خاتم النبيين كانت شريعته صالحة لكل زمان ومكان ، وليس معناها : أنها تتغير بتغير الزمان ، بل معناها : أن من تمسك بها صلح له الزمان في كل وقت ، ولهذا قد يتوهم بعض الناس أن معنى صالح لكل زمان ومكان أنها تكيف بتكيف الناس! ، وأن الناس إذا كان عندهم عمل كثير يلهيهم عن الصلاة ، قلنا لهم : إما ألا تصلوا الظهر والعصر ، لأنه وقت عمل ! ، وإما أن تجمعوهما إلى المغرب والعشاء ، كما يوجد بعض العمال الآن ، فقد بلغني أن بعض العمال يجمع الصلوات الخمس كلها عند النوم !! ، لو قلنا : إن الدين يتكيف لكان هذا صحيحا ، ولكن غلط .
معنى قول من قال : إنه صالح لكل زمان : أنه لا ينافي الإصلاح ولا الصلاح في أي زمان كان ، تمسك بالدين يصلح لك أمر الدين والدنيا ].
الفائدة 28 :
أفضل الأنبياء هو محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن كيف الرد على من استدل بقوله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } ؟!
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. وفي يوم القيامة يأتي الناس أكابر الأنبياء لطلب الشفاعة ، حتى تنتهي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وهذا يدل على أنه – عليه الصلاة والسلام – أفضل الرسل ..... ثم إبراهيم ، فإن قال قائل : كيف تقول ذلك ؟! أو كيف يكون ذلك ، وقد قال الله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } ، ومن المعلوم أن التابع أقل درجة من المتبوع ؟
فيقال : هنا لا تفاضل ، لأن الملتين واحدة ، وهي التوحيد ، لكن ذكر إبراهيم لأن اليهود يقولون : نحن أولى بإبراهيم ! ، والنصارى يقولون : نحن أولى بإبراهيم ! ، فقال الله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم } ، وعلى هذا فما خالف هدي الرسول ، فقد خالف هدي إبراهيم ، فيكون في ذلك إقامة الحجة على من قال : إنه أولى بإبراهيم من محمد – عليه الصلاة والسلام - ، ولهذا قال الله عز وجل مصرحا بذلك في قوله تعالى : { إن أولى الناس بإبراهيم لذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا } ، والذين اتبعوه في زمن رسالته ، أما بعد بعثة الرسول – عليه الصلاة والسلام – فأولى الناس بإبراهيم محمد – صلى الله عليه وسلم - ].
الفائدة 29 :
كلام متين جميل للشيخ ، يرد فيه على من يدعو الرسول والأولياء.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ والعجب أن قوما من الناس ادعوا محبة الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، وكذبوه ضمنا في قوله : { لا أملك لكم ضرا ولا رشدا } ، فصاروا يدعون الرسول – عليه الصلاة والسلام – بأن يجلب لهم الخير ، ويدفع عنهم الشر ، ويقولون : هذا من تعظيمه !! ، هذا من محبته !! ؛ وإذا نُهوا عن ذلك ، قالوا للناهي : أنت تبغض الرسول ! ، وأنت منتقص للرسول – عليه الصلاة والسلام – وما أشبه ذلك ! ، فأي الفريقين أحق بالصواب ؟ النافي ؛ أما المثبت فهو أعدى من يكون للرسول – عليه الصلاة والسلام - ، لأنه كذبه ، ووقع فيما نهى عنه حيث قال : لا تغلوا في ، ولكنه أبى إلا أن يغلو في الرسول – عليه الصلاة والسلام - .
فما وظيفة الرسل إذا انتفت عنهم هذه الصفات ؟
{فإنما عليك البلاغ} فقط ، { والله بصير بالعباد } ، { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد} ، فوظيفتهم البلاغ ، أن يبلغوا ما أنزل إليهم .
أما أن ينفعوا الناس أو يضروهم فلا.
لكن يأتي إنسان مشبّه للعامة يقول : الرسول نفعني ، فقد دلني على الخير ، وبيّن لي الخير ، وحذرني من الشر ، وبيّن لي طرق الشر فنفعني ، فما الجواب ؟
نقول : هذا للرسول ولغيره ، حتى العلماء يفعلون مثل ذلك ، لكن هل يماك الرسول أن يوفقك أن تهتدي ؟! لا يملك ، وهذا هو بيت القصيد أن الرسول لا يملك ، أما أن يبلغ الرسالة فهو يملك هذا كغيره ، حتى العلماء يملكون ذلك الشيء ، لكن يملك أن يوفقك ويهديك؟! كلا ، لكان استطاع أن يهدي عمه الذي دافع عنه ، واستمات في المدافعة عنه ، ما ملك أن ينفعه ، وهو يدعوه عند موته في أضيق ما يكون ، ويقول له : " قل لا إله إلا إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله " ، فعجز الرسول عن ذلك .
فكان آخر ما قال به أبو طالب : إنه على ملة عبد المطلب ] .
الفائدة 30 :
كل مسألة تتعلمها فهي إكرام من الله تعالى .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. الرسالة من أكبر النعم بعد الهداية للإسلام ، وحينئذ نقول : من ورث الأنبياء في علمهم ، ودعوتهم إلى الله ، واستقامة حاله ، فقد أكرمه الله تعالى ، بل كل مسألة يمن الله عليك بعلمها فهي إكرام من الله تعالى لك ، لأنك زدت على الجاهل مرتبة .
فيجب على طالب العلم أن يشعر بأن الله تعالى أكرمه بما منّ عليه من طلب العلم ، كما أكرم الرسل بالرسالة ].
الفائدة 31 :
معنى قوله تعالى : { أكملت لكم دينكم } .
قال – رحمه الله تعالى –
[ { أكملت لكم دينكم } ، أي : جعلته كاملا ، وليس المعنى أنني ختمته ، لأنه قد نزلت آيات بعد هذه الآية ].
الفائدة 32 :
من اعتقد حل الحكم بغير ما أنزل الله .
قال الشيخ – رحمه الله تعالى - :
[ .. من يعتقد حل الحكم بغير ما أنزل الله ، ويجعله قانونا مشروعا يرجعون إليه عند التنازع ، دون الرجوع إلى الكتاب والسنة ، ثم هو يصلي ويصوم ويزكي ، نقول : إنه كافر ، ولو صلى ، وصام ، و لو زعم أنه مسلم ، لأنه آمن بعض ، وكفر بعض ].
الفائدة 33 :
كفر من ادعى النبوة ، وكفر من صدقه .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ونؤمن بأنه لا نبي بعد محمد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مستندين إلى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } ، وبهذا نعرف أن مسيلمة كذاب ، والذين جاءوا بعد الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقولون : إنهم أنبياء كذابون أيضا ، وما أكثر ما يوجد في بعض البلدان الإسلامية من يخرج ويقول : إنه نبي يوحى إليه .
أنا أسمع أنه يوجد الآن في أفريقيا ، وفي آسيا أناس يدّعون هذا ! ، هؤلاء نقول : إنهم كفرة ، ومن صدقهم فهو كافر ].
الفائدة 34 :
الرد على الرافضة في ادعائهم حب علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - .
قال – رحمه الله تعالى –
[ ... علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – كان يعلن على منبر الكوفة – وهو أمير المؤمنين – يعلن صراحة بأن خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر .
والعجب أن الرافضة يدّعون ولايتهم لعلي ، وهم يكذبون علي بن أبي طالب ، لأنه إذا قال : خير هذه الأمة أبو بكر ، ثم عمر ، وهو قد بايع أبا بكر ، وبايع عمر ، يعني أنه كذاب فيما يقول ، وأنه منافق ، لأنه بايع على خلاف ما في قلبه ، وهذا أكبر طعن في علي بن أبي طالب ، ويدّعون أنهم أولياؤه ، وما كانوا أولياؤه ، إن أولياؤه إلا المؤمنون ].
الفائدة 35 :
ذكر الأدلة على أحقية أبي بكر الصديق بالخلافة .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... أفضلهم وأحقهم بالخلافة أبو بكر الصديق – رضي الله عنه ، نؤمن بهذا ، أنه أفضلهم ، وأنه أحقهم بالخلافة ؛ أما كونه أفضلهم ، فلأن النبي – صلى الله عليه وسلم – سئل : أي الرجال أحب إليك ؟ قال : " أبو بكر " صراحة ؛ وقال علنا على المنبر : " لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر " ؛ والخليل هو صافي المحبة البالغ ذروتها ، ولهذا امتنع الرسول – عليه الصلاة والسلام – أن يجعل له من أمته خليلا ، لأن قلبه قد امتلأ بمحبة الله عز وجل .
ونؤمن كذلك بأنه أحقهم بالولاية ، لوجود شواهد :
أولا : أن الرسول – عليه الصلاة والسلام – خلفه على أمته في إمامة الصلاة ، والصلاة أفضل شعائر الإسلام ، فجعله خليفة له عليهم في أعظم شعائر دينهم وهي الصلاة ، فكيف لا يكون خليفة بأمور دنياهم .
ثانيا : أن الرسول – عليه الصلاة والسلام – خلفه على أمته في قيادة الحجيج سنة تسع من الهجرة ، حيث جعله الأمير على الحجاج ، والحجاج كما تعلمون دائرتهم أوسع مما في المدينة ، فجعله هو الأمير عليهم .
ثالثا : أن الرسول قال : " لا يبقى في المسجد باب إلا سُد إلا باب أبي بكر " ؛ مما يدل على أنه الخليفة بعده ، حتى يسهل وصول الناس إليه ، لأن بابه في المسجد ، وحتى يسهل وصوله أيضا إلى الناس .
رابعا : أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال لامرأة أتته في حاجة ، فوعدها القادم ، فقالت : أرأيت إن لم أجدك ؟! قال : " فأت أبا بكر " وهذا كالنص الصريح على أنه الخليفة من بعده .
وأيضا قال – صلى الله عليه وسلم - : " يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر " .
والأدلة على هذا كثيرة .
فلا شك أن أبا بكر – رضي الله تعالى عنه – هو أفضل الأمة ، وأحقهم بخلافة النبي – صلى الله عليه وسلم - .
الفائدة 36 :
الحسن – رضي الله عنه – هو حقيقة الذي فدى الناس بتنازله عن الخلافة ، وهو أفضل من الحسين – رضي الله عنه - .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ... لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أشار إلى ذلك في قوله للحسن : " إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين " ، فنال السيادة في الدنيا والآخرة ، - رضي الله عنه - ، وأخوه الحسين شاركه في السيادة في الآخرة ، حين قال الرسول – عليه الصلاة والسلام - :
" الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " ، ولكن السيادة في الدنيا والآخرة إنما هي للحسن – رضي الله عنه - ، وهو أفضل من الحسين بلا شك ، لما له من الآيات الفاضلة ، والمنة على المؤمنين عموما ، حيث تنازل عن الخلافة التي يسعى إليها أكثر الناس ، تنازل عنها من أجل الإصلاح ، وحقن الدماء ، فهو حقيقة الذي قد فدى الناس بتنازله عن الخلافة ، فجزاه الله خيرا عن أمة محمد.].
الفائدة 37 :
حجة عقلية في ترتيب الأفضلية بين الخلفاء الراشدين ، نوقش فيها الشيخ .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ وما كان الله تعالى – وله الحكمة البالغة – ليولي على خير القرون رجلا وفيهم من هو خير منه ، وأجدر بالخلافة ، هذا احتجاج بمقتضى الحكمة ، وقد ورد فيه نقاش ، فبعض العلماء أو بعض الإخوان يقول : أليس قد وُلّي على المسلمين في الخلافة ، وفيهم من هو خير منه ؟! نقول : بلى ، لكن ليس في زمن خير الأمة ، صحيح أنه ولي بعد الخلفاء الراشدين على الأمة الإسلامية من ليس هو خير الأمة ، لكن نحن نتكلم على خير الأمة ، فما كان الله ليولي على هذا الشعب المختار رجلا ، وفيهم من هو خير منه ، لأن هذا تأباه حكمة الله – عز وجل ، وأما بعد ذلك ، فلا شك أن من الخلفاء من هو أدون ، وأدون بكثير من كثير من الشعوب ].
الفائدة 38 :
مسألة مهمة ينبغي أن نتنبه لها متعلقة بالتفضيل بين الصحابة ، والمناقب : الفضل المقيد لا يستلزم الفضل المطلق.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ونؤمن بأن المفضول من هؤلاء قد يتميز بخصيصة يفوق فيها من هو أفضل منه ، المفضول من هؤلاء ربما يكون له خصيصة يتميز بها عن غيره ، لكن الفضل المقيد لا يستلزم الفضل المطلق ، وهذه مسألة ينبغي أن نتنبه لها ، حتى تزول عنا إشكالات كثيرة ، الفضل المطلق شيء ، والمقيد شيء ، فلا يتعارضان ، فلا يلزم من ثبوت الفضل المقيد أن يثبت الفضل المطلق ، ولا يلزم من الفضل المطلق بأن ينتفي الفضل المقيد ، فمثلا من الصحابة من له ميزة خاصة ، فمثلا : الشيطان يفر من عمر ، ولكنهم لم يلمسوا ذلك في أبي بكر ، مع أن أبا بكر أفضل منه ؛ عثمان – رضي الله عنه – قال له الرسول – صلى الله عليه وسلم – حينما جهز جيش العسرة : " ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم " ، وقال : " من يشتري بئر رومة ، وله الجنة " ، اشتراها عثمان ، وتزوج عثمان اثنتين من بنات الرسول – عليه الصلاة والسلام - ، ولم يحصل ذلك لغيره ، فله ميزات ، ولا نقول : إنه يلزم من ذلك أن يكون أفضل من عمر ، لأن عمر فضله مطلق ، وهذا فضل مقيد ؛ علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – له ميزات أيضا ، قال النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم خيبر : " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه " .
فميزه بالمحبة ، وبأن يفتح على يديه ، وحين سأل عنه ، قالوا : إنه يشتكي عينيه ، فأمر به ، فأتى ، فبصق في عينيه فبرأ ، كأن لم يكن به وجع ، ثم أعطاه الراية ، وقال : " انفذ على رسلك ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا ، خير لك من حمر النعم " ؛ هذه خصيصة لم تكن لأبي بكر ، ولا لعمر ، ولا يلزم من ذلك أن يكون علي أفضل منهما ، كذلك أيضا لما خلفه في غزوة تبوك ، وجزع – رضي الله تعالى عنه - ،قال : تخلفني في النساء والذرية ، أو كلمة نحوها ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " ؛ وهذه خصيصة له ، لأنه خلفه في أهله ، كما خلف موسى هارون في قومه ، بل أعظم من ذلك ، أمر النبي – عليه الصلاة والسلام – من أدرك أويسا القرني أن يطلب منه الدعاء ، وهذه الخصيصة لم تصر لأحد من الصحابة ، مع أن الصحابة أفضل من أويس ، أبو بكر وعمر وعثمان وابن مسعود ، وابن عباس ، وغيرهم أفضل من أويس بلا شك ، و لكن هذه خصيصة له ، ولم يأمر الرسول أحدا أن يطلب من أبي بكر ، ولا من عمر ، ولا من عثمان ، ولا من علي ، ولا من غيرهم أن يدعوا له ؛ ولا نقول : إن هذه الخصيصة تقتضي أن يكون أويس أفضل ؛
بل إن الرسول أخبر بأن العاملين في أيام الصبر للواحد منهم أجر خمسين من الصحابة ، ولا يلزم من هذا أن يكون هؤلاء أفضل من الصحابة ، فهذه خصيصة مقيدة بهذا الزمن الصعب الضنك ، لأنك إذا رأيت المجتمع لا يعمل بعبادة الله ثقل عليك أن تعبد الله وحدك ، وأيضا ربما تُتخذ هزوا ، فتصبر وتتحمل ، فنالوا هذه الخصيصة بسبب ما يعانونه من الضيق والمضايقة ، لكن لا يلزم من هذا أن يكونوا أفضل من الصحابة .
وهذه الفائدة تنفعنا أن الفضل منه مطلق ، ومنه مقيد ، ولا يلزم من الفضل المقيد أن يكون أفضل من المطلق ، ولا يلزم من الفضل المطلق ألا يكون للمفضول فضل مقيد ].
الفائدة 39 :
لماذا أخر الإيمان في قوله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله }.
قال – رحمه الله تعالى –
[ ... فإذا قال قائل : لماذا أخر الإيمان بالله عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ لأن الإيمان بالله يكون منهم ومن غيرهم ، حتى الأمم السابقة تؤمن بالله ، لكن الميزة العظيمة التي حصلوا بها على هذه الفضيلة ، وهي الأمر بالمعروف ، والنهي المنكر ].
الفائدة 40 :
كلما بعد العهد بالرسالة ، ضعفت الفضيلة .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ يقول شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – وكلما بعد العهد بالرسالة ضعفت الفضيلة ، وهذا يؤخذ من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – حين شكا إليه الناس ما يجدونه من الحجاج بن يوسف الثقفي ؛ قال : إني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : " لا يأتي على الناس زمان ، إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم " .
الفائدة 41 :
توجيه حديث : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم... ).
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ...وبأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خذلهم .. ، نؤمن بذلك لقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله " ، وهذه بشرى سارة لهذه الأمة ، أنه لن يعدم الحق منها جميعا ، بل لابد أن يكون فيها من هو على الحق ظاهر ، بمعنى أنه يبين الحق ويوضحه ، ولا يلزم من ذلك أن يكون منتصرا ، بل هو منصور ، ولكنه ليس بمنتصر ، بمعنى : أنه قد يكون ليس عنده القدرة على الجهاد ، إلا أنه معصوم من أن يُقضى عليه ، والواقع شاهد بذلك والحمد لله تعالى ، فإن الأمة الإسلامية لم تزل فيها طائفة منصورة على الحق إلى الآن ، وإلى أن يأتي أمر الله ، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – أخبر ، وخبره – صلى الله عليه وسلم – صادق ، ولا يمكن أن يتخلف ، وهذه الأمة أو الطائفة هم أهل السنة والجماعة ].
الفائدة 42 :
الطعن في الصحابة الكرام ، طعن في أربع جهات .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. ونرى أنه يجب أن نكف عن مساوئهم وجوبا ، فلا نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء الجميل ، وأما أن ننشر مساوئهم بين الناس ، ونقول : فلان فعل كذا ، وفلان فعل كذا ، فلا شك أنه محرم ، لأنه إذا كان ذلك حراما بالنسبة لغيرهم ، فكيف بالنسبة لهم ، والطعن في الصحابة في الواقع يتضمن الطعن في أربع جهات :
أولا : طعن فيهم ، وهو واضح صريح .
الثاني : أنه طعن في الشريعة ، لأنهم الواسطة بيننا وبين الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، فهم الذين نقلوا الشريعة إلينا ، فإذا طعنا فيهم صارت الشريعة مشكوكا في صحتها ، وعزوها إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم .
الثالث : أنه طعن في الرسول – عليه الصلاة والسلام - ، وذلك أن من كانوا أصحابه على جانب من الفسق والفجور ، فإن ذلك قدح في مقامه ، إذا كان العرف بين الناس الآن أن الرجل الشريف إذا كان أصحابه ومن حوله قد طُعنوا بالفسق والفجور وغيرها ، فلا شك أن هذا قدح فيه ، وإن لم يكن مثلهم في الفجور والفسق ، لكن كان على الإنسان الشريف أن يصطحب أناسا شرفاء ، أما أن يصطحب أناسا على جانب من الفسق والفجور ، فهذا لا شك أنه عيب فيه ، وإن لم يكن على شاكلتهم من الفجور وغيرها .
رابعا : طعن في جانب الرب عز وجل ، فإنه طعن في حكمته أن يهيأ لهذا الرسول الكريم الذي هو أفضل الخلق عند الله عز وجل أناسا فجرة كفارا فساقا ، كما يقول الرافضة في أصحاب الرسول – عليه الصلاة والسلام – إلا نفرا قليلا من أهل البيت ].
الفائدة 43 :
لا يجوز أن نقرأ خلاف الصحابة ، وفتنهم على العامة .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ وجب علينا أن نكف عن مساوئهم ، وألا نظهرها للناس ، حتى لو فرضنا أن إنسانا يقرأ في " البداية والنهاية " ، وأتى على وقعة الجمل ، أو صفين ، أو غيرها ، ما يخدش كرامة الصحابة عند العامة الذين لا يفهمون ، فالواجب ألا نقرأ ، أما إذا كنا نريد أن نقرأها على طلبة العلم لنمحص ما فيها مما دخلها من الزغل والكذب ، فإنه لا بأس ، بل قد يجب ].
الفائدة 44 :
طريقة القرآن إذا ذكر مفضلا ، ومفضلا عليه : ذكر المنقبة العامة للجميع .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ سبحان الله تعالى ! ، في القرآن الكريم لما ذكر فضل من أنفق قبل الفتح وقاتل ، فإنه قد يذهب القلب إلى التنقص من حق المُفضل عليهم فقال : { وكلا وعد الله الحسنى } ، وإن اختلفوا في الفضل ؛ وهذه طريقة القرآن : أنه تعالى إذا ذكر مفضلا ، ومفضلا عليه ، ذكر المنقبة العامة للجميع ؛
قال الله تعالى : { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان } قد يبدر إلى الذهن التنقص من حق داود ، فقال عز وجل دفعا لهذا { وكلا آتينا حكما وعلما } ، ثم ذكر منقبة خاصة له في مقابل قوله تعالى : { ففهمناها سليمان } ، فقال عز وجل : { وسخرنا مع داود الجبال يسبحن } ].
الفائدة 45 :
مراحل حياة الإنسان ، وغلط من يقول : إن المثوى الأخير هو القبور .
[ الإنسان له مراحل :
المرحلة الأولى : في بطن أمه .
الثانية : في الدنيا .
الثالثة : في البرزخ .
الرابعة : يوم القيامة ، فهي المرحلة الأخيرة ، ولهذا يغلط من يقول في الميت : إنه نقل إلى مثواه الأخير ، فإن هذا لو كان الإنسان يعتقده تماما لكان كافرا ، لأن من قال : إن المثوى الأخير هي القبور ، فقد أنكر البعث ، ويكون كافرا ، ومع الأسف أن هذه الكلمة شائعة بين الناس ، فكثير ما نسمع في الصحف ، وغير الصحف يقولون : انتقل إلى مثواه الأخير ، وهذا غلط ، المثوى الأخير : إما الجنة ، وإما النار ].
الفائدة 46 :
بطلان قصة نصيحة إبليس لأبوينا آدم وحواء في تسمية ولدهما بعبد الحارث .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ورد عن ابن عباس أو غيره أن حواء لما حملت ، أتاها الشيطان ، وقال لها ولآدم : أنا صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة ، سمياه عبد الحارث أي : الولد ، وإلا فسيخرج ميتا ، وفي النهاية سمياه عبد الحارث .
هذه القصة لا شك أنها مكذوبة ، كيف تسلل إليهما ليقبلا كلامه ، ويقول لهما : أنا صاحبكما الذي أخرجكما من الجنة؟!! أهذا كلام متوسِّل متضرع لقبول قوله ؟!! أم هذا مما يوجب النفور من قوله ؟!! الثاني بلا شك .
وأيضا لو كان آدم فعل ذلك – وحاشاه منه – لكان شركا ، والشرك أعظم من الكبائر فضلا عن الصغائر ، ولو كان كذلك لاحتج به آدم أكثر مما يحتج بأكله من الشجرة ، وأظن أنا ذكرناها في " شرح كتاب التوحيد " وذكرنا حوالي ثمانية أوجه تدل على بطلانها ].
الفائدة 47 :
هل الصراط طريق حسن واضح ، أو أنه أدق من الشعرة ، وأحد من السيف ؟
قال – رحمه الله تعالى - :
[ في هذا خلاف بين علماء أهل السنة ، منهم من قال بالثاني ، ومنهم من قال بالأول ، وليس هناك أدلة واضحة تفصل بين القولين ، فمعتقدنا في ذلك أن نقول : الله أعلم ، لكن نؤمن بهذا الصراط ].
الفائدة 48 :
عصاة الموحدين هل يدخلون نار الكافرين ،أو في نار أخرى؟
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ..في هذا قولان للسلف :
منهم من قال : إنه يكردس في نار جهنم التي هي نار الكافرين ، لكن أعضاء السجود لا تأكلها النار ، لأن الله تعالى حرم على النار أن تأكل أعضاء السجود ، يعني : الجبهة والكفين والركبتين وظهر القدمين ، لكن بعض العلماء يقولون : إنها نار ليست كالنار الأم ، وهي النار التي تفنى ، أما النار التي هي النار الأم فلا تفنى ، وهذا ظاهر كلام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في " الوابل الصيب " ، أن النار التي تفنى هي نار المعذبين بذنوبهم فقط ، لا نار الكافرين ، فنار الكافرين لا تفنى ، وأشد مرارة ، هذا قول بعض العلماء .
والقول الثاني : أن هؤلاء الذين يكردسون في النار عند مرورهم على الصراط يكردسون في نار جهنم ، لكن الله على كل شيء قدير ، يمكن أن تكون نار جهنم لهؤلاء بردا وسلاما ، ولهؤلاء شديدة الحرارة ، إنما نحن نؤمن بأن هذا الصراط على جهنم ، وأن الناس يعبرون عليه ، وأن منهم من يكردس ويلقى في النار ، وظاهر النص أنها النار التي للكافرين ، لكن من الجائز أن تكون سلاما وبردا على غير الكافرين ، والله على كل شيء قدير ].
الفائدة 49 :
شهيد ، شيخ ، إمام ، ألقاب صارت رخيصة !!
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. كل من مات في سبيل الله تعالى فهو شهيد ، لكن لا تقل : فلان شهيد ، لأنه قد يكون في قلبه أنه يدافع عن حمية ، أو عصبية ، وما أشبه ذلك .
لكن مع الأسف الشديد ، إن كلمة شهيد اليوم صارت رخيصة ، كما صارت كلمة شيخ ، فالآن كلمة شيخ رخيصة ، يعني يقال للإنسان الذي لا يعرف كوعه من كرسوعه يقال له : شيخ .
وتجده يجلس في مجلس كله عوام ، ثم يقوم يتكلم بكلام فصيح بين ، وعن شجاعة ، فيقولون : هذا عالم ، لا نظير له ، فيكون عندهم شيخ الشيوخ .
وكذلك أيضا سهلت كلمة إمام ، الآن لو صنف الإنسان كتابا مختصرا من أبسط ما يكون ، قالوا : هذا إمام!! ، سبحان الله تعالى ! الإمام لابد أن يكون عالما كبيرا متبوعا ، وليس كل إنسان يؤلف يسمى إماما ، ولهذا لما اختلفت المفاهيم هنا ، صارت الألقاب تشوش ، فعندما تقرأ كتابا صغيرا لأحد المؤلفين ، وتقول : قال الإمام فلان ابن فلان ! ماذا يظن السامع ؟ ، يظن أنه إمام من أكابر العلماء ، وهذا لا يجوز ، أن نصف الإنسان بما لا يستحق ، لأن هذا فيه شيء من الكذب .
كذلك أصبح يقال لمن قتل نفسه : إنه شهيد ! ، والذين يضعون المتفجرات في بطونهم ، ويموتون بها ! ، يقال عند بعض الناس : إنه شهيد ، ونحن نقول : إنه يعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم ، لكننا ما نعيِّنُه ، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا ، لكن نقول : كل إنسان قتل نفسه ، فإنه يعذب بما قتل به نفسه في جهنم ؛ أما الرجل الذي قد يفعل ذلك متأولا ظانا أن هذا الحق ، فهذا لا يعذبه الله عز وجل .
أرأيت أسامة بن زيد – رضي الله عنه – قتل مشركا بعد أن أدركه هاربا ، فقال المشرك : لا إله إلا الله ، فقتله أسامة متأولا ، يظن أنه قالها تعوذا من القتل ، وخوفا منه ، فلو وقع لنا مثل هذا ، لكنا نظن كما ظن أسامة ! ، ولكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبخه ، وقال له – وجعل يكررها - : " قتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله " ، حتى قال أسامة : تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ! ، حتى يكون هذا الذنب مما يغفر لي بالإسلام .
إذن الشهادة أمر مهم خطير جدا ، فإذا فعل الإنسان فعل مؤمن تقي ، تقول : أحسبه كذلك ، والله حسيبه ، وأرجو له التوفيق ، وأرجو له الجنة ، وأرجو له الثواب ، حتى تسلم والحمد لله ؛
ونقول : هل يضره إذا لم نشهد له أنه شهيد ، وكان شهيدا عند الله تعالى ؟! لا يضره .
وهل ينفعه إذا شهدنا له أنه شهيد ، وهو ليس شهيدا عند الله ؟ لا .
إذن ما الفائدة في أن نُعَرّض أنفسنا لشيء محرم علينا لأجل إرضاء بعض الناس ].
الفائدة 50 :
هل نشهد للكافر المعين الذي مات بالنار ؟
قال – رحمه الله تعالى - :
[ نقول : كل كافر في النار ، وكل مشرك شركا أكبر في النار ، وكل منافق في النار ، هذا عموم نشهد به .
الآن يوجد رؤساء كفرة يموتون ، مثل رئيس اليهود الذي قتل ، والذي مات ، فهل نشهد بأنه بعينه في النار ؟
أنا أرى الاحتياط وبراءة الذمة أن لا نشهد .
ولكن ليست شهادتنا لهذا بالنار في التحرز منها ، كشهادتنا لكافر معلن للكفر ، لكنه ما مات على الكفر ، فهذا ربما يُهْدى فيما بعد ، أما إنسان مات على الكفر نشهد أنه إلى آخر لحظة من حياته ما علمنا أنه أسلم ، فالشهادة بالنار لهذا قريبة ، لكن مع هذا نقول : الاحتياط ألا تشهد ، فإن شهادتك له بالنار إن كان ليس من أهلها لن تؤثر ، وإن كان من أهلها فلا حاجة لشهادتك هو من أهل النار ، لهذا نرى الشهادة بالنار لكافر على قيد الحياة لا تجوز ، لا شك ، لاحتمال أن يسلم ، وكم من كافر أسلم ، أما إذا مات على الكفر ، ولم نعلم أنه قال يوما من الدهر : لا إله إلا الله ، فهذا أيضا لا نشهد له بالنار احتياطا ، ومعلوم أن الحكم الاحتياطي ليس كالحكم المجزوم به].
الفائدة 51 :
الكافر لا يفتن في القبر ! ، وإنما المنافق .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. "فيقول المؤمن : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبي محمد ، وأما الكافر فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته "
الحديث ورد بلفظ : " وأما الكافر أو المنافق " ، وإذا طبقت هذا الجواب وجدته ينطبق على المنافق ، فالمنافق لا يستطيع أن يجيب ، حتى وإن كان يجيب به في الدنيا بأفصح عبارة ، فإنه في القبر يقول : " ها ها لا أدري " ، وفكر في قوله : " ها ها " تجد كأنه يعلم الشيئ ، ولكن نسيه ، أو عجز عن النطق به ، وهذا يكون أشد حسرة مما لو كان لم يعرفها ، مثلا : لو ضاع منك مائة ريال كان ذلك أشق عليك مما لو كنت لم تملكها مهن قبل ، فهكذا العلم إذا أضعته بعد حصوله ، صار أشد عليك مما لو لم تدركه أولا .
إذن الذي يظهر لي أن الذي يُسأل المؤمن والمنافق ، أما الكافر فلا يسأل ، لأنه لا حاجة لسؤاله ، فالامتحان إنما هو للاختبار ، والكافر ساقط من أصله ، فلا يُسأل؛ ولذلك يوم القيامة لا يحاسبون ، وإنما تنشر أعمالهم ويجزون بها ، ويقال : { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين } ؛ لكن لو ثبت عن الرسول – عليه الصلاة والسلام – ثبوتا صريحا لا شك فيه أن الكافر يسأل ، فنقول : سمعنا وصدقنا وآمنا .
أمَاَ ولفظ الحديث هكذا : " سمعت الناس يقولون شيئا فقلته " ، فإن ذلك يكون جوابَ من قال ذلك ، وهو المنافق الذي لم يدخل الإيمان في قلبه ، ثم المعنى يقتضي ألا يُسأل الكافر أيضا ، لأن السؤال للاختبار والامتحان ، والكافر ساقط من الأصل ، مثل طالب لا يحصل في كل الدروس إلا على صفر ، فهذا لا نختبره ، لكن طالب فيه احتمال ، فهذا هو الذي يُسأل .
فنسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة ].
الفائدة 52 :
توفيقك لشكر نِعَم الله نعمة تستحق الشكر .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ..قال بعض العلماء : إن توفيقك للشكر نعمة تستوجب الشكر ، لأن كثيرا من الناس حُرم الشكر ، فإذا أنعم الله عليك ، ووفقك لشكر النعمة واستعمالها في طاعة ، فهذه نعمة تحتاج إلى شكر ؛ وفي هذا يقول الشاعر :
إذا كان شكري نعمةً اللهُ أنعمها**عليَّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله **وإن طالت الأيام واتصل العمر]
الفائدة 53 :
عذاب القبر يشبه تواتر القرآن !
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ..أما السنة فقد تواترت بذلك(أي: عذاب القبر)تواترا لا نظير له ، فكل مسلم يقول في صلاته : أعوذ بالله من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، لأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك ، ولأن جميع الأحاديث الواردة في التواتر لا يمكن أن تكون كأحاديث عذاب القبر ، لأن عذاب القبر كل الناس يستعيذون منه في صلاتهم ، فهذا يشبه تواتر القرآن الذي يقرأه الصغير والكبير ].
الفائدة 54 :
قراءة بعض الشباب ما يتعلق بأوصاف الحور العين وما يتعلق به من ذكر مفاتنهن!
السؤال :
بالنسبة لوصف الجنة ونعيمها ، يوجد بعض الناس ، وخاصة بعض الشباب ، من يكثرون في قراءة ما يتعلق بأوصاف الحور العين ، خاصة ما ذكره الإمام ابن القيم في " نونيته " ، مما يثير شهوتهم ، ومع ذلك إذا نُصِحوا ، يقولون : نحن نتصبر بهذا!! فهل هذا له وجه ؟ أم أنهم يُنصحون بالابتعاد عن هذا؟
الجواب :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ما أرى هذا ، ولِمَ لا يرون النار أيضا ووعيدها؟!! الناس الآن هم إلى ذكر الوعيد أحوج منهم إلى ذكر الوعد ، لأن أغلب الناس قد فتنته الدنيا ، فيحتاج إلى كابح ، فالناس ليسوا مقبلين الآن حتى نذكر لهم الأشياء التي تحثهم على التقدم ، الناس الآن مدبرون إلا ما شاء الله ؛ فهنا نرى أن الإنسان إذا أراد أن يرجح أحد الجانبين عن الآخر ، الترغيب أم الترهيب ، نرى في الوقت الحاضر أن يقدم الترهيب ، على أني لا أوافق على هذا ، لكن أقول : إذا كان ولابد ، والذي ينبغي أن نسلك طريقة القرآن : ترغيب وترهيب ، أما ما ذكره ابن القيم في وصف الحور العين ، وتشبيهها ، وما شابه وقال :
إذا انحدرت وجدت أمرا هائلا!
هذا ما ينبغي أن يقال ، خصوصا عند الشباب ].
الفائدة 55 :
مذهب الأشاعرة في القدر لا يمكن أن يتصوره إنسان !!.
سؤال :
هل يصح القول : إن مذهب الأشاعرة هو مذهب أهل السنة في باب القدر ؟!
الجواب :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ لا ، أبدا ، مذهب الأشاعرة في باب القدر يشبه مذهب الجبرية ، بل هو في الحقيقة مذهب لا يمكن أن يتصوره الإنسان ! ، يقولون : الله خلق الفعل ، وفعل العبد كسبه ! ، سبحان الله ، كيف هذا ؟!! لكنهم يتناقضون مثلما تناقضوا في الكلام ، وهو أعظم من هذا ، قالوا : إن الله يتكلم ، ولكن كلامه في نفسه ، وما سمعه جبريل فهو مخلوق !!].
السائل :
يعني الكسب هنا يشبه ماذا ؟! نفهم إيش معناه ؟!
قال – رحمه الله تعالى - :
[ ما أنت بفاهمه !! ، ما أنت بفاهمه !! ، حتى هم يقولونه ، ولا يفهمونه !! ، ولهذا يقولون : ثلاثة أشياء ما لها أصل ، أو ما لها معنى : من جملتها الكسب عند الأشعري! ].
الفائدة 56 :
مراتب القدر .
قال رحمه الله تعالى – :
[ .. والمراتب الأربع هي :
1- العلم . 2- الكتابة . 3- المشيئة . 4- الخلق.
جُمعت هذه المراتب الأربع في بيت :
علمٌ كتابةُ مولانا مشيئتُهُ ** وخلقُهُ وهو إيجاد وتكوين].
الفائدة 57 :
مشيئة الله نوعان .
قال - رحمه الله تعالى - :
[ ... ونحن بدأنا بالعلم – أي في مراتب القدر – لأنه هو السابق ، فإن الله لم يزل ، ولا يزال عليما ، ثم بالكتابة لأنها بعده ، ثم بالمشيئة لأنها بعد ذلك ، ولكن لاحظ أن المشيئة – مشيئة الله للأشياء – فيها شيء مقارن ، وفيها شيء سابق ، الشيء السابق : هو أن الله عز وجل بعلمه القديم شاء كل ما أراد أن يفعله من الأصل ، لكن المشيئة المقارنة هي مرادنا هنا ، وتكوين المشيئة المقارنة عند الفعل : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } ، وبعد المشيئة يكون الخلق ، ولهذا يجب على الطالب إذا أراد أن يذكر المراتب أن يذكرها مرتبة ].
سؤال :
المشيئة بعد الكتابة ، مع أن الكتابة لا تكون إلا بمشيئة الله عز وجل !!
الجواب :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ المشيئة نوعان : مشيئة سابقة ، وهذه تابعة للعلم ، ومشيئة مقارنة للفعل ، وهذه مقارنة للفعل ، يعني قد شاء الله – مثلا – أن يفعل العبد كذا ، وكذا ، في يوم كذا ، وكذا ، في ساعة كذا ، كذا ، في بلد كذا ، وكذا ، هذا شاءه من قبل ، وهو كائن في علمه عز وجل ، لكن المشيئة الحادثة التي يكون بها الفعل متأخرة عن الكتابة ].
الفائدة 58 :
قول بعض الناس : ما اندفع الجهمية والمعتزلة إلا بالأشاعرة !!
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. إن بعض الجهال والمعاندين يقولون : ما اندفع الجهمية والمعتزلة إلا بمذهب الأشاعرة ، سبحان الله !! مذهب الأشاعرة الباطل يُبطل به الباطل !!! ؛ لكن يدفعون بالكتاب والسنة ].
الفائدة 59 :
قول : هذا بفضل الله ثم بخبرتي .
السؤال :
هل يجوز للرجل أن يقول بالنسبة للنِّعم التي عنده ، مثلا : مال كثير ، أن يقول : أوتيته بفضل الله عز وجل ، ثم بخبرتي ، أو مثل هذه الأمور ينبغي دائما أن يحيلها على الله ؟
الجواب :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ لا بأس أن يقول هذا بشرط : ألا يُغَلّب قولَه : بخبرتي ، على قوله بفضل الله ، لأن بعض الناس قد يقدم فضل الله لفظا ! ، لكن في قلبه أن الخبرة أبلغ في حصول هذا الشيء ، فإذا كان يخشى على نفسه من ذلك فلا يقوله ، وإذا كان يريد أن يقول : بخبرتي من أجل أن يحث الناس على فعل الأسباب ، كان هذا خيرا ].
الفائدة 60 :
التكبر على المتكبر !
السؤال :
التكبر على المتكبر جائز؟
الجواب :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ هذا لا يجوز ، ولكن إذا قال : المعزر للمتكبر محمود ؟
يجوز أو لا ، أسألك !].
السائل :
يجوز.
الشيخ : [ المعزر يعني المؤدب ، المعزر للمؤدب محمود ؟ هه.
السائل :
لكن المتكبر متكبر !
الشيخ : [ لا يجوز على المتكبر ، ولا التكبر على المتكبر أبدا ، لكن إذا كان لك السلطة والتأديب ، فلان مؤدب للمتكبر محمود ].
السائل :
لكن هو يمر ولا يسلم! ، فهل إذا مررت أنا عليه أسلم ؟!
الشيخ : [ إي نعم سلم ، وإلا فهل إذا صعّر لك خده ، تصعر خدك له ؟!!!].
الفائدة 61 :
هل نفعل كفعل الرجل من بني إسرائيل حينما رمى دين الرجل في زجاجة في البحر ، وقال : اللهم إنك أنت كنت الكفيل ..؟
السؤال :
هل يعمل بما ورد في الصحيح من أولئك الرجلين من بني إسرائيل اللذين استدان أحدهما من الآخر ، ثم لم يجد سببا لأن يوصل له دينه في وقته ، فرماه في البحر متوكلا على الله ، خاصة إذا كان مبلغا كبيرا ؟!
الجواب :
قال – رحمه الله تعالى - :
[ الآن هناك وسائل ].
السائل :
إذا انقطعت السبل؟
الشيخ : [ إذا انقطعت السبل بالكلية ، فليسلك أقرب الطرق وليدعُ الله ، الاعتماد على الدعاء المحض بدون فعل الأسباب، هذا إذا انقطعت الأسباب ، والله تعالى قد يوصله بما شاء ، عن طريق الملائكة أو غيرها ، لكن ما دام العبد يمكنه أن يفعل الأسباب ، فهو مأمور بها ].
الفائدة 62 :
اللوح المحفوظ.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ اللوح المحفوظ ، يعني المحفوظ عن الأيدي ، المحفوظ عن التغيير ، لوح لا يناله أحد ، ولا يتغير ما فيه ، ولا ندري هل هذا اللوح من خشب أو من حديد أو من فضة أو من ذهب أو من نور ، الله أعلم ، ولكن نؤمن بأنه لوح محفوظ ، كتب الله فيه مقادير الخلق ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ولا نعلم كيفية الكتابة ].
الفائدة 63 :
الرد على الجهمية في استدلالهم بقوله تعالى { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل } على أن القرآن مخلوق .
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. والعجب أن الجهمية استدلوا بهذه الآية الكريمة على أن القرآن مخلوق ، وهذا الاستدلال باطل ، لأن المخلوق منفصل بائن عن الخالق ، إذ إن المخلوق يستلزم ثلاثة أشياء : خالق ، وخلق ، ومخلوق ، فالمخلوق إذاً ليس من صفات الخالق ، أما الذي من صفات الخالق الخلق ، فهل القرآن شيء بائن منفصل ، يعني محسوسا ينظر بالعين ؟
أو هو كلام من صفات المتكلم ؟ الثاني ؛ إذاً كيف تقولون : إن الله خالق القرآن ؟!!
لا يمكن أبدا ، بل القرآن وصفه ، لأنه كلامه ، ووصف الإنسان ليس من مفعولاته ، فمثلا : أعطيتك تمرة ، أكلتها ، فهل فعلك هو التمرة ؟ لا ، ولكن التمرة مأكولة ، والأكل غير المأكول ، وهل أنت الأكل؟! لا ، أنت آكل ، ومضغك أكل ، والممضوغ مأكول .
إذا فيجب على الإنسان أن يفرق بين المفعول البائن ، وبين الفعل الذي هو وصف الفاعل ، فالقرآن كلام ، والآية لا تدل على أن القرآن مخلوق ، لأن الله تعالى قال : { خالق كل شيء } ، أي : فيلزم أن يكون المخلوق بائن منفصل ].
الفائدة 64 :
إذا قال الأطباء : بقاء الجنين – بعد نفخ الروح فيه - في بطن الأم يعرضها للخطر ، فلابد من إسقاطه.
قال – رحمه الله تعالى - :
[ .. فإذا كانت امرأة في بطنها جنين ، والجنين حي ، وقيل لها : إما أن نقتل الجنين وتسلمين أنت ، وإما أن نُبقي الجنين وتهلكين ، إذا قال العقلانيون : إذا بقي الجنين وماتت ، لابد أن يموت ! ، فحينئذ نكون قد قتلنا نفسين ، وإذا قتلنا الجنين ، وأخرجناه قتلنا نفسا واحدة ، والعقل يرى أن قتل نفس واحدة أهون من قتل نفسين .
فالجواب : نقول : إذا بقي الجنين في البطن ، وماتت الأم ، ثم مات الجنين ، فموت الجنين هنا بفعل الله ، وليس بفعلنا ، لكن لو قتلناه ، صار موته بفعلنا فلا يحل ].
الفائدة 65 :
ئ من الذي ينتفع بأصول الإيمان والعلوم الإسلامية ؟
قال – رحمه الله تعالى - :
[ وبذلك انتهى الكلام على الأصول الستة ، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وهذه هي أصول الإيمان التي بنى أهل السنة والجماعة إيمانهم عليها ، وهذه العقيدة في الحقيقة تثمر ثمرات جليلة ، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، فكثير من الناس – نسأل الله ألا يجعلنا منهم – يقرأون هذه الأركان ويجيدونها تماما ، لكن على أنها أمور نظرية لا تثمر سلوكا طيبا ومنهجا سليما ، الإيمان بالله يتضمن كذا ، والإيمان بالملائكة يتضمن كذا ، والإيمان باليوم الآخر يتضمن كذا ، الإيمان بالقدر يتضمن كذا، وهذا مفهوم معلوم ، لكن كثير من الناس لا يثمر له هذا الإيمان ، السلوك الصواب ، وإذا شئت أن ترى ، انظر هذا العالم الجياش الذي يدخل المدارس ، والمعاهد ، والجامعات تجده أمما ، فلو أن هذه الأمم تطبق حقيقة ما قرأته ، لأصبح الشعب شعب الخلفاء الراشدين ، لكن الواقع أن كل دراساتنا إنما هي دراسات نظرية ، والدليل على هذا : أن الطالب يقرأ أن بر الوالدين واجب ، ولكن هل يبر والديه ؟ أبدا ، وأنا لست أقول كل الناس ، الحمد لله في الناس خير ، لكن أقصد العامة ، وكثير من الناس يقرأ أن صلة الرحم واجبة ، ولكن هل كل إنسان يصل رحمه ؟ أكثر من نعلم لا يصلون أرحامهم ، ويزور صديقه مساء وصباحا ، لكنه لا يزور قريبه إلا في السنة مرة ، وعند المناسبات ، أين التطبيق ؟!
الكذب ، كل طالب يعرف أن الكذب حرام ، ومع ذلك يكذب ، يقرأ أن الغش حرام ، ثم يأتي ويقول : هل الغش في الامتحان حرام ؟ يسأل عن شيء يعرف حكمه !
المهم أن أصول الإيمان الستة التي بينها الرسول – عليه الصلاة والسلام – لا تنفع الإنسان إلا إذا قبلها ، وتأثر بها ، وانتفع بها ، أما مجرد النظر ، فأنا ضامن أنه يوجد في الكفار من يدرس هذه الأشياء دراسة وافية ، ويكون عنده من الاستنباطات ، واستخراج الفوائد أكثر مما عند كثير من الناس ، بل الآن هناك كفار يؤلفون في اللغة العربية ، ويحللونها فقها وتعبيرا ، ومع ذلك هم كفار ، فلهذا نسأل الله تعالى أن يعيننا وإياكم على الانتفاع بما علمنا].
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

:: رسالة الكفر بالطاغوت :: للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تأمل رحمك الله وجعلك الله من أهل التوحيد الخلص

ثمار التوحيد في ضوء الكتاب والسنة

اقوال وحكم...