صفحات مهمة من حياة سيد قطب
صفحات مهمة من حياة
سيد قطب
تأليف
علي بن يحيى الحدادي
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونعبده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي واشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
لقد قُدِّر لي أن أقرأ كتاب (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) لمؤلفه الدكتور صلاح الخالدي وأدهشني ما قرأت !!
ونظراً لضخامة الكتاب حيث جاوزت صفحاته المائة السادسة قمت بتلخيص بعض المحطات المهمة في حياة سيد قطب، وأتبعتها بمقتطفات متفرقة من كتاباته، راجياً المولى أن ينفع بهذه الرسالة والله الموفق.
علي بن يحيى الحدادي
20/4/1426هـ
(تنبيــه)
إذا أحلت في الهامش إلى (كتاب الخالدي) فالمقصود به كتاب (سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي، وهو أحد المتخصصين في سيد قطب وفكره، وكانت رسالة الماجستير التي قدمها في جامعة الإمام محمد بن سعود !!عن سيد قطب وكتابه التصوير الفني في القرآن. ثم كانت رسالته للدكتوراه (في ظلال القرآن دراسة وتقويم).
ومجموع كتبه المتعلقة بسيد قطب قرابة سبعة كتب. فهو حجة في سيد قطب، وليس بمتهم فيه.
أولاً: سيرة سيد قطب في سطور
(البدايات الأولى)
نشأ سيد قطب في أسرة لا تخلو من بعض البدع فكان أبوه يقرأ سورة الفاتحة كل ليلة بعد طعام العشاء ويهديها لروح أبيه وروح أمه، بحضرة أولاده[1].
ومن العادات التي نشأ عليها التزام والده بإقامة حفلات ختم القرآن التي كان يقيمها في المنزل لا سيما في شهر رمضان[2].
كما كانت قريته تسمى بلدة (الشيخ عبد الفتاح) لأنه أحد أوليائها!! وله فيها مقام بارز!!. هكذا يحكى الخبر دون إنكار موجود لا من سيد ولا من الخالدي [3].
(الصبي يحفظ القرآن تحدياً)
حفظ سيد القرآن وهو صبي من باب التحدي وذلك أن مدرس القرآن فصل من عمله فأشاع أن الدولة تحارب القرآن وطالب أهل القرية سحب أولادهم من المدرسة وتحويلهم إليه في كُتّابه، فوافق بعض أولياء الأمور ومنهم والد سيد، ودرس سيد اليوم الأول فلم يعجبه الكُتّاب ورجع إلى المدرسة، وصار يحفظ في كل سنة عشرة أجزاء في منزله حتى يثبت أن المدرسة لا تحارب القرآن، وليت سيد واصل دراسة القرآن دراسة شرعية والانتفاع به ولكن للأسف لم يفعل ذلك.
(ثقافة صوفية خرافية منذ الصبا)
كان سيد مولعاً بالقراءة واقتناء الكتب منذ صباه، فجمع خمسة وعشرين كتاباً كان مولعاً بها إلى درجة العشق ومن هذه الكتب (البردة، سيرة إبراهيم الدسوقي، السيد البدوي،
عبد القادر الجيلاني، دلائل الخيرات، دعاء نصف شعبان)[4]. وكلها من كتب البدع والتصوف والخرافات والقبورية والغلو كما هو معلوم.
عبد القادر الجيلاني، دلائل الخيرات، دعاء نصف شعبان)[4]. وكلها من كتب البدع والتصوف والخرافات والقبورية والغلو كما هو معلوم.
(ثم صار الصبي مشعوذاً)
ومن المؤسف أنه كان في مكتبة والده المنزلية كتابان غريبان يتعلقان بالشعوذة والسحر وهما كتاب (أبي معشر الفلكي) وكتاب السحر (شمهورش) ويستخدمان في قراءة الطالع وسحر الصرف والعطف.
وقد تعلم سيد قطب هذه الشعوذة في صغره، وصار يمارسها في قريته، فكان المشعوذ المفضل فيها لعموم النساء والفتيات والشبان لصغر سنه، ولكونه يقوم بتلك الأعمال بلا أجرة.
وقد سجل ذلك عن نفسه هو في كتابه (طفل من القرية)[5].
(تائه يقترب من الإلحاد)
لما انتقل من القرية إلى القاهرة في المرحلة الثانوية بدأ مرحلة الشك، وعدم اليقين، والتخلي عن الدين ،والانشغال بعضوية حزب الوفد مدة طويلة[6]، واستمر معه هذا التيه والضياع حتى بلغ الأربعين[7].
خلال هذه المدة الطويلة اشتغل بالأدب والنقد، وكان نقده يمتاز بالقوة، والهجوم، والهمز واللمز، والسخرية المقذعة والهجاء[8].
(الانتقال)
سلك بعد ذلك طريقاً جديداً درس فيه القرآن من ناحية بيانية أدبيه، ثم أخذ يكتب المقالات التي ينتقد فيها أوضاع المجتمع، ثم شارك في الثورة ضد الأسرة المالكة في مصر حتى تم القضاء على ملكها، ثم التحق بالإخوان المسلمين، ثم اختط لنفسه منهجاً جديداً لكنه تحت إطار حركة الإخوان المسلمين، ونشر اتجاهه عبر خلايا سرية، اكتشفت فيما بعد، وحوكم وقتل على إثرها.
ماذا يستفاد من مجمل سيرته الذاتية؟
ليس في سيرته ما يشير من قريب ولا بعيد أنه درس علوم الإسلام من توحيد ولا حديث ولا تفسير ولا فقه ولا أصول فقه ولا غير ذلك على أحد من علماء المسلمين المعتبرين، وإنما غاية أمره اطلاعات ذاتية الله أعلم بحقيقة مصادره فيها، بل كان فيها كتب السحر والشعوذة والتصوف والقبورية والخرافة، والذي يظهر إلى ذلك أيضاً أنه كان يقرأ للشيعة والخوارج والمعتزلة و أضرابهم، وأنه كان بعيداً غاية البعد عن كتب أهل السنة والأثر لا يلتفت إليها ولا يرفع بها رأساً، ولهذا جاءت تقريراته في غاية البطلان والانحراف عن حقيقة الإسلام سواء في أصول الدين أو فروعه؛ وعلى هذا فمن الغش الكبير للمسلمين أن يُجعلَ منه إماماً يقتدون بهديه، ويستنون بسنته. إنّ من لم يجعل المتقين _ وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه وأئمة التابعين لهم بإحسان _ من لم يجعلهم أئمة له لا يصلح أبداً أن يكون إماماً للمتقين من بعده، لأن الدين مبني على الاتباع وليس على الاختراع، وبهذا يحفظ الدين خالصاً نقياً من كل شائبة والله أعلم.
ثانياً: هل كان سيد قطب داعية على منهاج النبوة؟ أم ثائراً على منهاج الانقلابيين؟
حين دخل سيد قطب مرحلة العمل للإسلام أصدر مجلة (الفكر الجديد) سنة 1948م وأصدر منها اثني عشر عدداً ثم أغلقتها الحكومة.
وكان من عناوين مقالاته فيها:
- أفخاذ ونهود.
- أنتم أيها المترفون تزرعون الشيوعية زرعاً.
- وضع مقلوب في جوائز فؤاد الأول.
- أولاد الذوات وبناتهم هم نتن الأرض ولعنة السماء.
- تحرروا يا عبيد الأمريكان والروس والإنجليز.
- ليس الشعب متسولاً فردوا له حقوقه وهو غني عن بركم[9].
ومن عرف الهدي الشرعي في معالجة أخطاء الحكام والسياسة العامة يدرك بعد هذه المقالات عن الطريقة الشرعية القائمة على السرية حفظاً لمقام ولاة الأمور، ورعاية لقاعدة الشرع في اجتماع الكلمة والبعد عن أسباب الفتن وشق العصا واختلاف الكلمة، كما يدرك أن هذا الأسلوب الذي انتهجه سيد قطب مماثل لأسلوب الخوارج القائم على الإنكار العلني حتى يحصل تأليب قلوب الرعية على ولاة أمرها، ثم يعقب ذلك ما يعقب من الخروج عليه.
وفي عام 1951م بعد عودته من أمريكا انشغل أيضاً بهذا النوع من النقد، يقول عن نفسه: "واستغرقت أنا عام 1951م في صراع شديد بالقلم والخطابة والاجتماعات ضد الأوضاع الملكية القائمة، والإقطاع والرأسمالية"[10].
وهذا تأكيد لما سبق من سلوكه منهج الإنكار العلني، وصراع ولاة الأمر، مع غض الطرف تماماً عن الأضرحة وعبادة القبور وهذا المنهج يكشف لنا عن الفهم السقيم عند سيد قطب للدعوة الإسلامية ولذا جاءت دعوته بعيدة عن منهاج النبيين فإن منهجهم يقوم أساساً على الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة والبراءة من عبادة ما سواه، لقد مكث النبي صلى الله عليه و سلم بمكة يقرر هذه الحقيقة مدة ثلاثة عشر سنة لوحدها ثم استمرت عنايته بها في المدينة مع بقية شرائع الإسلام حتى أتاه اليقين وهو يؤكد على قضية التوحيد ويكرر التحذير من وسائل الشرك وأسبابه بينما نجد سيداً بدأ في دعوته بمهاجمة (الأوضاع الملكية الفاسدة) وغض الطرف وأخرس اللسان وكسر القلم عما تطفح به أرض مصر من مظاهر صرف العبادة لغير الله تعالى فهل هذه هي طريقة محمد صلى الله عليه و سلم في الدعوة إلى الله ؟ هيهات.
وإليك هذا النموذج لبعض ما كان يكتب:
يقول: "لو وكل إلي الأمر لأنشأت مدرسة للسخط على هذا الجيل من رجال السياسة في هذا البلد، ومدرسة للسخط على أولئك الكتاب والصحفيين، ومدرسة للسخط على أولئك الوزراء" [11].
وأقول:
إن الإصلاح لا يبدأ من إسخاط الناس على ولاة أمرهم، ولكن ببذل النصيحة وتعليم الناس دينهم، وتربيتهم عليه، يقول صلى الله عليه وسلم (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن ليأخذ بيده، وليخل به، وليكلمه فيما بينه وبينه فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه) رواه ابن أبي عاصم في السنة بإسناد صحيح.
· دوره في الانقلاب الذي أدى إلى إلغاء الملكية وقيام الجمهورية[12]:
كان يشاع عن سيد قطب أنه أديب أحب الإسلام بعد أن كان ملحداً أو قريباً من الإلحاد، فلما عرف الإسلام أحبه وكتب عنه، ودعا الناس إليه، فلماذا تهاجمون هذا الرجل المسكين؟
وحين قرأت كتاب الخالدي رأيت أن سيد قطب ليس مجرد أديب مسكين، ولكنه أحد حملة راية (الإصلاح) على منهج الخوارج، شارك بقلمه، وفكره في إسقاط الحكم الذي أدرك البلاد عليه، وجعل من بيته مقراً للضباط الذين أطاحوا بمليكهم، يعقدون فيه المؤامرات السرية في جنح الظلام، كان زعيماً يصدر الأوامر فتطاع، وحين تمت الثورة كان أحد رجال مجلس قيادة الثورة.
فسيد ثائر، يدعو إلى الثورات، وطبق ما يدعو إليه فقام بالثورة في بلده، وصدّرها إلى خارج بلاده، ورُبيَّ ألوف مؤلفة من شباب الأمة على فكره _ على أنه يمثل الإسلام ظلماً وزوراً _ ولو كان لهم عقول واعية لتأملوا عاقبة المنهج الثوري في الإصلاح حيث كان رائده في هذا العصر سيد قطب أول ضحاياه، إضافة إلى أنه لم يحقق الهدف المنشود من ورائه وصدق الله حيث يقول (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) و حيث يقول تعالى (إن الله لا يهدي كيد الخائنين).
بعد هذه المقدمة إليك ملخصاً مما أرخه الخالدي في كتابه عن دوره في (ثورة الأحرار).
قال ما ملخصه:
بدأ تخطيط الإخوان المسلمون للثورة على الملكية في الأربعينات، وكان الضباط الإخوان المعنيون يقرؤون كثيراً من مقالات سيد قطب، وبعض كتبه المشهورة آنذاك ككتاب (العدالة الاجتماعية)، ولذلك فقد شبه بعضهم سيد قطب بالفرنسي الشهير (ميرابو) الذي كان له دور كبير في التمهيد للثورة الفرنسية فأطلقوا عليه (ميرابو الثورة المصرية)[13].
لم يقتصر دور سيد على تأثيره الفكري من خلال كتبه ومقالاته بل جعل من بيته منتدى سرياً لقادة الثورة، يقول سليمان فياض متحدثاً عن زيارته لسيد في حديقة منزله :
سألته عن رأيه في هذه الثورة؟
ابتسم. وقال لي: هنا تحت هذه الشجرة كان الضباط الأحرار يعقدون بعض اجتماعاتهم معي في فترة التحضير للثورة.
ثم دخل بيته وعاد يحمل مظروفاً، أخرج منه صوراً وأخذ يريها لي واحدةً واحدة، وكان هو في كل صورة وتحت هذه الشجرة ، وكانت كلها صوراً ليلية أخذت في ضوء الفلاش، وفي كل صوره كان هؤلاء الضباط الأحرار وهو بينهم أبداً واسطة العقد"[14].
ويقول محمود العزب: "إن رائدنا وأستاذنا سيد قطب هو الذي رعى الثورة جنيناً فوليداً وأمرنا أن نستعد لها. إن الجيش لا يمكن أن ينسى أن سيد قطب هو أبو الثورة ، وأبو الثوار، وتواضعه يزيدنا تعلقاً به، وإكباراً له".
ثم قال: "قبيل الثورة بأيام تلقينا من الأستاذ قطب أمراً بأن نكون على استعداد، وكنت على رأس تنظيم الإخوان المسلمين في بور سعيد، ولما تلقيت الأمر حضرت إلى القاهرة، ومضيت إلى منزل الأستاذ سيد قطب، وكان في يوم 19 يوليو 1952م وكان لديه بعض قادة الثورة منهم البكباشي جمال عبد الناصر، وذكر لي الأستاذ سيد أن أكون أنا ومن معي على أهبة الاستعداد، وأن يكون الإخوان المسلمون المدنيون على استعداد أيضاً، فإذا سمعنا بقيام الثورة كنا حماتها، وحفظة الأمن في بور سعيد، وحذرنا من سفك الدماء" [15].
· لمحات عن بعض جهود ومكانة سيد قطب عقب الثورة:
قال عبد الغفور عطار الأديب المعروف وأحد المقربين من سيد قطب: كان هو – سيد قطب _ المدني الوحيد الذي يحضر جلسات مجلس قادة الثورة، وكانوا _ أي أعضاء المجلس _ يترددون على منـزله في حلوان" [16].
وقال عادل حمودة: "الذين عاصروا تفاصيل الأيام للثورة يؤكدون أن سيد قطب كان له مكتب في مبنى مجلس قيادة الثورة، وأنه كان يقيم هناك إقامة شبه دائمة.." [17].
وقال سيد قطب عن نفسه: "استغرقت في العمل مع رجال الثورة 23يوليو حتى فبراير شباط 1953م عندما بدأ تفكيري وتفكيرهم يفترق حول هيئة التحرير، ومنهج تكوينها" وقال : كنت أعمل أكثر من ثنتي عشرة ساعة يومياً قريباً من رجال الثورة، معهم ومع من يحيط بهم" [18].
وبعد شهر من نجاح الثورة المصرية أعد رجالها حفلاً تكريمياً لسيد قطب على مستوى رفيع في نادي الضباط في الزمالك، وكان تحت رعاية رئيس الجمهورية محمد نجيب، لكنه اعتذر عن الحضور وأناب عنه جمال عبد الناصر، ولم يكتف بذلك بل أرسل برسالة حملها أنور السادات وتليت على الحاضرين. ثم قام سيد وألقى كلمته وأعلن فيها تخوفه حتى بعد الثورة من السجن وما هو أشد من السجن فقال جمال بصوته الجهوري ما نصه : "أخي الكبير سيد، والله لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا جثثاً هامدة، ونعاهدك باسم الله، بل نجدد عهدنا لك أن نكون فداءك حتى الموت" [19].
- لم يدم الصفاء بين عبد الناصر والإخوان بل انقلب عليهم وحاول سيد أن يصلح بين الفريقين لكن دون جدوى.
وبعد ذلك انضم سيد قطب إلى الإخوان رسمياً في مارس 1953وعند ذلك بدأ في ما يسميه بعض تلامذة منهجه مرحلة (الإسلاميات الحركية) والذي يمثل في نظرهم النظرة الصحيحة للإسلام فماذا فعل فيها؟
تولى سيد قطب أمور الثقافة و النشر في الجماعة، فأشرف على إصدار جريدة الإخوان، وكان يلقي حديث الثلاثاء، وانتدب إلى سوريا والأردن وفلسطين ممثلاً للجماعة.
وقيل : إن سيد كان عضواً في التنظيم السري للإخوان، وأنه أوقف الجريدة العلنية، وبدأ ضد حكومة الثورة (حرب المنشورات السرية)، ونسب له الإشراف على النشرة التي كان يصدرها التنظيم السري (الإخوان في المعركة) والتي كان سيد يفضح فيها عبد الناصر، ويذكر عمالته للأمريكان ولليهود..
قال الخالدي عن هذه التهمة: نسكت عليها ونتوقف فيها، لأننا لا نملك أدوات يقينية للحكم لها أو عليها[20].
قلت: ليس في منهج سيد ولا نظرته للدعوة الحركية ما يأباها، فهي تسير على الخط نفسه (السرية، الطعن في النظام الحاكم) بدعوى الدعوة إلى الله.
حلّ عبد الناصر الإخوان المسلمين في 15/يناير/ 1954م واعتقل كثيراً من الإخوان وقادتهم ومنهم سيد قطب، وأقال بعد عشرة أيام محمد نجيب، وفي 28 من الشهر نفسه نظم الإخوان مظاهرة ضخمة حاشدة، وكان من نتيجتها رضوخ عبد الناصر لمطالبها، فأعاد محمد نجيب، وأفرج عن المعتقلين ومنهم سيد قطب.
قلت: المظاهرات ليست وسيلة شرعية في الإنكار على الحكام، وليست وسيلة شرعية في الدعوة إلى الله، بل طريقة غربية قلدها المسلمون، وركبها (الإسلاميون) تحت شعار الدعوة.
بعد ذلك نشط سيد قطب ومن معه في إصدار النشرات السرية ضد عبد الناصر حتى 26/10/1954م حيث أعلن عبد الناصر عن محاولة اغتياله من قبل بعض الإخوان وهو (محمود عبد اللطيف) عضو أسرة من أسر النظام الخاص في القاهرة، وهو المشهور بحادث المنشية، فسجن سيد مع من سجن من الإخوان.
ومكث ف السجن تسع سنين ثم أفرج عنه بواسطة رئيس العراق عبد السلام عارف سنة 1964م
· ماذا فعل سيد بعد الإفراج عنه؟
قبل سنتين من خروجه قاد مجموعة من الإخوان المسلمين داخل السجن وفق منهجه الجديد – سيأتي بيانه – وبلغ عددهم في سجن القناطر خمسة وعشرين أخاً.
وبعد أن أفرج عنه لم يتصل بتلك المجموعة إلا لماماً، وفضل أن ترتبط بصفيه محمد يوسف هواش المعتقل معهم، لكنه اتصل باللجنة الخماسية (التنظيم الإخواني الرسمي السري الجديد) التي أنشأها عبد الفتاح إسماعيل، وقد كانوا وصلوا إليه قبل خروجه من السجن واتفقوا معه (أن يكون أباً روحياً لجماعة من الإخوان خارج السجن ليصحح مفاهيمها، ويهديها الصراط المستقيم، وأنهم يتوسمون فيه هذه القدرة). ووافق سيد فكانت كتاباته في السجن تصل إليهم ، وقد أوجز لهم سيد تصوراته الدعوية الجديدة في النقاط التالية:
1- وجوب البدء مع الشباب المسلم، ومع الناس الآخرين بالعقيدة([21])، وبيان معنى الإيمان والإسلام والعبودية([22]) والتحاكم إلى الله [23].
2- تربية الشباب المسلم الفاهم لدينه على الأساس السابق على الأخلاق الإسلامية، وتوعيتهم بما يجري حولهم في المعسكرات المحلية والخارجية المعادية([24]).
3- عدم البدء بتنظيم الأفراد إلا بعد وصولهم إلى درجة عالية من فهم العقيدة، ومن الخلق والسلوك، ومن الوعي بكل ما يجري ويحدث([25]).
4- نقطة البدء في الحركة الإسلامية ليست في المطالبة بإقامة النظام الإسلامي، وإنما بنقل المجتمعات – أو قطاعات مؤثرة فيها- إلى الإسلام وفق النقاط السابقة لتطالب هي بتطبيق الإسلام[26].
5- لايكون الوصول إلى إقامة النظام الإسلامي عن طريق انقلاب في الحكم يجيء من أعلى، ولكن عن طريق تغيير تصورات المجتمع – أو قطاعات مؤثرة فيه – وقيمه وأخلاقه والتزامه بالإسلام، بحيث يعلم أفراده أن تطبيق الإسلام فريضة لا بد منها.
6- في الوقت ذاته تجب حماية الحركة الإسلامية وهي سائرة في خطواتها السابقة، بحيث إذا اعتدي عليها و على أفرادها ترد الاعتداء، وما دامت هي لا تريد أن تعتدي على غيرها، ولا تريد أن تفرض نظام الله بالقوة من أعلى فيجب أن تترك لتؤدي واجبها، وألا يعتدى عليها وعلى أهلها، فإذا وقع الاعتداء عليها كان الرد عليه من جانبها بضرب القوة المعتدية، بالقدر الذي يسمح للحركة أن تستمر في طريقها.
(النهاية)
رأت اللجنة الخماسية بموافقة سيد قطب على البدء في التدريب العسكري لحماية الحركة تنفيذاً للفقرة السادسة عند حدوث أيّ اعتداء من النظام الحاكم؛ وذلك لقوة الإشاعات، وكثرة التحذيرات بشأن اقتراب ضربة قوية على الإخوان، وكانت خطة العمل المتفق عليها هي (الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم بإزالة رؤوس، وفي مقدمتها: رئيس الجمهورية، ورئيس الوزارة، ومدير مكتب المشير، ومدير المخابرات، ومدير البوليس الحربي)[27].
ونتيجة للأجواء المشحونة اعتقلت أجهزة الأمن محمد قطب في 30/7/1965م، ثم اعتقلت سيد قطب في 9/8/1965م ، وفي 20/8/1965م اكتشفت الدولة التنظيم السري الجديد للإخوان وقبضت على قياداته الخمسة[28].
كيف اكتشفت الدولة التنظيم الجديد السري؟
حصلت مشكلة (حسين توفيق) ومجموعته، فاعتقلت أجهزة الأمن (سامي عبد القادر) واعترف هذا بزيارته لـ (يوسف القرش) وهو من الإخوان القدامى، بحثوا عنه فوجدوه عند (حبيب عثمان) وهو عضو في أسرة إخوانية تابعة للتنظيم السري الجديد، ثم في ليلة 20/8 اعتقلت أجهزة الأمن (محمود فخري) فاعترف على (مرسي مصطفى) فداهموا شقته وجعلت منها فخاً، وفي منتصف الليل طرق باب الشقة ثلاثة من أعضاء اللجنة الخماسية وهم : عبد الفتاح إسماعيل، وعلي عشماوي، ومبارك عبد العظيم، وبعد التحقيق معهم اعترف بعضهم بكامل تفاصيل التنظيم، وأسراره، وأهدافه، وغير ذلك، فاعتقلت الدولة الآلاف من الإخوان المسلمين[29].
وحُقِّق مع سيد قطب على إثر انكشاف التنظيم السري الذي يتزعمه، ولم يكن هو قد أفصح عنه، حماية لأفراد التنظيم، ثم قررت السلطات قتله وقتل اثنين من قادة اللجنة الخماسية فنفذ فيهم الحكم شنقاً يوم الاثنين 29/8/1966م، وهم سيد قطب،
عبد الفتاح إسماعيل، يوسف هواش[30]. والله المستعان.
عبد الفتاح إسماعيل، يوسف هواش[30]. والله المستعان.
ثالثاً: مختارات من محضر التحقيق مع سيد قطب
الحزبية المقيتة عند سيد قطب
سؤال: هل ترى أن هناك فرقاً بين المسلم المنتمي لجماعة الإخوان، وغير المنتمي لتلك الجماعة؟
جواب: الذي يميز الإخوان: أن لهم برنامجاً محدداً في تحقيق الإسلام، فيكونون مقدمين في نظري على من ليس لهم برنامج محدد.
هل دعوة سيد إصلاحية أم ثورة على النظام تحت ستار الدعوة؟
سؤال: هل كان التنظيم سرياً أم علنياً؟
جواب: كان سرياً.
سؤال: وما الغرض من جعله سرياً إذا كان الهدف تربية دينية أخلاقية؟
جواب: عندنا اعتقاد استقيناه من كل التجارب الماضية، ومن معرفتنا بالخطط الصليبية والصهيونية والشيعية في المنطقة لمحاربة ومنع أي تربية إسلامية حركية تهدف لتحقيق مثل هذا الهدف، وإقامة حكم إسلامي.
· هل الدولة السعودية دولة إسلامية عند سيد قطب؟
سؤال:هل كنتم ترون أن وجود الأمة المسلمة قد انقطع منذ مدة طويلة، ولا بد من إعادتها للوجود؟
جواب: لا بد من تفسير مدلول كلمة الأمة المسلمة التي أعنيها، فالأمة المسلمة هي التي تحكم كل جل جانب من جوانب حياتها الفردية والعامة، السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأخلاقية، شريعة الله ومنهجه.وهي بهذا الوصف غير قائمة الآن في مصر، ولا في أي مكان في الأرض([31]). وإن كان هذا لا يمنع من وجود الأفراد المسلمين، لأنه فيما يتعلق بالفرد الاحتكام إلى عقيدته، وخلقه، وفيما يتعلق بالأمة الاحتكام نظام حياتها كله.
حكم سفك الدماء بين المسلمين في سبيل الوصول إلى الحكم عند سيد
سؤال: ألا ترى أن في قيام تنظيم سري مسلح بين المسلمين ما يؤدي إلى فتنة يأباها الدين الإسلامي، وينهى عنها؟
جواب: قد يؤدي إلى فتنة، ولكن الذي يكون عليه وزرها هو الذي يمنع النشاط العلني، فيضطر الآخرون للنشاط السري، ويمكن إنقاذها بإباحة النشاط العلني.
الحزبي يخفي انتماءه حتى عن أقرب الناس إليه فلا تأمنهم
سؤال: هل يعرف محمد قطب تنظيمك السري؟
جواب: لا.
سؤال: ولِم لمْ تبلغه به، وهو يساير أفكارك في كتاباته؟
جواب: أنا أعرف من طبيعة محمد عدم الميل إلى الاختلاط بأية تجمعات، ومن ناحية أخرى: كنت حريصً دائماً ألا يعرف أحد بأمر هذا التنظيم ولو كان أقرب الناس إلي؛ لتضيق دائرة من يعرفون ذلك.
· هل وصل التنظيم الإخواني القطبي إلى السعودية في زمن سيد قطب؟
سؤال: إن تمويل هذا التنظيم من (الخارج) يعني الإخوان في السعودية وغيرها؟
جواب: نعم من الخارج، ولكن في إحساسنا اعتبار عام أن أي أخ في أي بلد هو مرتبط بنا على أساس العقيدة والفكرة، لا على الأساس الإقليمي، وعندما تذكر (إخوان) لا نسأل عن جنسياتهم من الناحية الإقليمية.
وفي تحقيق آخر جاء ما يلي:
الدجوي: محدش من أفراد التنظيم كان يتصل بك وحده؟
سيد: علي عشماوي.
الدجوي: وقال لك إيه؟ سيد: عن أسلحة ستأتي من السعودية عن طريق السودان...[32]
رابعاً: موقفان مهمان يدلان على ما وراءهما
الموقف الأول:
روى الشيخ عبد القادر شيبة الحمد هذا الموقف عن حسن البنا قال:
(بالنسبة للإخوان المسلمين أسسوا وأنا طالب في أولى ثانوي في الأزهر، وزار طنطا التي كنت أدرس فيها حسن البنا، مؤسس حركة الإخوان المسلمين، وكانوا يبذلون كل جهد لجمع الطلاب معهم فجاءني عدد من الطلاب وألحوا علي لأحضر،وكان عدد الطلاب في طنطا ذلك الوقت قرابة(1000)طالب؛ولم يكن أحد منهم معفيا لحيته سواي وطالب آخر اسمه محمود عبد الوهاب،فكانت تلك علامة من علامات التدين فكانوا يحرصون على حضوري أشد الحرص،وبالتالي ألحوا على أن أحضر معهم محاضرة حسن البنا التي سيلقيها في حضرة جموع الطلاب الحاشدة.فجئت بعد صلاة العصر وبدأ يخطب، وكان رجلاً فصيحاً بليغاً مؤثراً، فأذكر أنه استمر من بعد صلاة العصر حتى غربت الشمس ولم يقم أحد لصلاة المغرب وانتظرت أن يوقفوا الخطابة لإقامة الصلاة ، فلم يفعلوا، ثم انتظرت قليلاً فقمت فصليت وحدي.ثم عندما انتهى حسن البنا من خطبته قام رجل متسماً بزي المشايخ وأخذ يثني على الشيخ البنا حتى بالغ في الثناء عليه، حتى جعله كأنه يقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أحد الجالسين واعترض على الشيخ فقام البنا مرة أخرى وقال أبياتاً من الشعر منها:
إن الله قد جعل الأقل لنوره *** مثلاً من المشكاة والمصباح
إشارة إلى قوله تعالى في سورة النور{الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح......}إلخ الآيات..ومنذ ذلك اليوم (وأنا أخذت انطباعاً سيئاً عن جماعة الإخوان المسلمين) [33]
إشارة إلى قوله تعالى في سورة النور{الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح......}إلخ الآيات..ومنذ ذلك اليوم (وأنا أخذت انطباعاً سيئاً عن جماعة الإخوان المسلمين) [33]
الموقف الثاني:
قال علي عشماوي وهو يحكي أحد لقاءاته بسيد قطب: وجاء وقت الجمعة، فقلت لسيد قطب: دعنا نقوم ونصلي، وكانت المفاجأة! أن علمت ولأول مرة أنه لا يصلي الجمعة، وقال :إنه يرى أن صلاة الجمعة تسقط إذا سقطت الخلافة، وأنه لا جمعة إلا بخلافة[34].
خامساً: مختارات من أقوال سيد قطب
تكفير المسلمين تكفيراً عاماً
1- الذين لا يفردون الله بالحاكمية في أي زمان، وفي أي مكان هم مشركون، ولا يخرجهم من هذا الشرك أن يكون اعتقادهم أن لا إله إلا الله مجرد اعتقاد، ولا أن يقدموا الشعائر لله وحده"[35].
2- نحن ندعو إلى استئناف الحياة حياة إسلامية في مجتمع إسلامي تحكمه العقيدة الإسلامية، والتصور الإسلامي، كما تحكمه الشريعة الإسلامية والنظام الإسلامي، ونحن نعلم أن الحياة الإسلامية على هذا النحو قد توقفت منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الأرض. وإن وجود الإسلام ذاته من ثم قد توقف كذلك. ونحن نجهر بهذه الحقيقة الأخيرة على الرغم مما قد تحدثه من صدمة وذعر وخيبة أمل للكثير ممن لا يزالون يحبون أن يكونوا مسلمين. [36]
ما حكم ذبيحة المسلم غير الإخواني عند سيد قطب!!
3- قال علي عشماوي: جاءني حد الإخوان وقال لي بأنه سوف يرفض أكل ذبيحة المسلمين الموجودة حالياً، فذهبت إلى سيد قطب وسألته عن ذلك فقال: دعهم يأكلونها فيعتبرونها ذبيحة أهل الكتاب فعلى الأقل المسلمون الآن هم أهل كتاب؟! . كتاب (التاريخ السري للإخوان المسلمين ص 80)
وفي هذه الفتوى يتضح تكفير سيد لعموم المسلمين من غير المنتظمين في الحزب الإخواني إذ الإخوان هم العصبة المؤمنة فقط.
وفيها أيضاً يتضح تفضيله لأهل الكتاب من اليهود والنصارى على المسلمين حيث شبه المسلمين بأهل الكتاب و الأصل أن المشبه به أعلى رتبة من المشبه.
القول بوحدة الوجود تعالى الله وتقدس عن ذلك
1- قال عند قوله تعالى(هو الأول والآخر) قال: مستغرقاً كل حقيقة الزمان (والظاهر والباطن) مستغرقاً حقيقة المكان، وهما مطلقان، ويلتفت القلب البشري فلا يجد كينونة لشيء إلا لله. الظلال
2- وقال : لا كينونة لشيء في هذا الوجود على الحقيقة، فالكينونة الواحدة الحقيقة هي لله وحده سبحانه. الظلال
قلت: وعقيدة المسلمين أن الله تعالى بائن من خلقه مستو على عرشه ليس فيه شيء من خلقه ولا في خلقه شيء منه، وأن الوجود ينقسم إلى قسمين وجود الخالق سبحانه ووجود المخلوق وهذا غير هذا، ومن أعظم الضلال القول بوحدة الوجود إذ معناه أن كل شيء هو الله. ومجرد تصور هذا القول ومعناه الفاسد يغني عن الرد عليه.
موسيقى السور !!
ابتدع سيد قطب بدعة (موسيقى القرآن) وقررها في أكثر من موضع وإليك نبذة من كلامه :
1- عند تفسيره لسورة النجم قال (هذه السورة في عمومها كأنها منظومة موسيقية علوية منغمة يسري التنغيم في بنائها اللفظي كما يسري في إيقاع فواصلها الموزونة المقفاة )[37]
3- وقال عن سورة العاديات ((والإيقاع الموسيقي فيه خشونة، ودمدمة ، وفرقعة)[39]
ثم أكد حقيقة ما يعني فقال (تفضل الموسيقي المبدع الأستاذ محمد حسن الشجاعي بمراجعة هذا الجزء الخاص بالموسيقى في القرآن الكريم، وكان له الفضل في ضبط بعض المصطلحات الفنية الموسيقية) [40]
أيها القارئ الكريم:
ألا يقشعر جلدك استنكاراً وأنت تقرأ هذا الكلام الذي جعل القرآن كلام الله ذا موسيقى وكأنما تقرأ تحليلاً فنياً لمقطوعة غنائية إن كلام الله أجل وأعظم أن يتحدث عنه متحدث بهذا الأسلوب البشع الشنيع.
هل يليق هذا الكلام عن موسى عليه السلام؟
1- قال (لنأخذ موسى إنه مثال للزعيم المندفع العصبي المزاج)[41]
2- وقال عنه بأنه بعد عشر سنوات من هربه من مصر بقي كما هو لم يهدأ ولم يصر رجلاً هادئ الطبع حليم النفس فحين رأى الحية وثب جارياً لا يعقب ولا يلوي إنه الفتى العصبي نفسه ولو أنه قد صار رجلاً فغيره كان يخاف نعم ولكن لعله كان يبتعد منها ليتأمل هذه العجيبة الكبرى !![42]
قلت : هل قائل هذا الكلام يتذكر قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) ونحن نقول: بل كان موسى عبد الله ورسوله وكليمه . عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
طعن سيد في بعض خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قبل أن تقرأ اعلم ما يلي: لا يجوز سب أحد من الصحابة، ولا ذكره بسوء لحديث (لا تسبوا أصحابي) متفق عليه وحديث (إذا ذكر أصحابي _ أي بالسوء _ فأمسكوا) أي لا تذكروهم بالسوء، والطعن في الصحابة من علامات أهل البدع لا سيما الخوارج والروافض. وقد كان لسيد قطب نصيباً من صفاتهما وبئس النصيب.
1- يقول سيد قطب عن خلافة عثمان وهي الخلافة الراشدة : (ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي رضي الله عنه امتداداً طبيعياً لخلافة الشيخين قبله، وأن عهد عثمان كان فجوة بينهما)[43]. ولما عدّل العبارة أو عدّلت له جاء فيها (وأن عهد عثمان الذي تحكم فيه مروان كان فجوة بينهما)[44] غير أنه لم يعف عثمان من تبعة خطئه في الطبعتين.
أقول: هذا نَفَسٌ شيعي رافضي، أما أهل السنة والجماعة فيحبون عثمان، ويجلونه، ويعتقدونه خليفة راشداً، فقد قال صلى الله عليه وسلم (الخلافة بعدي ثلاثون سنة) رواه ابن حبان والحاكم وغيرهما وخلافة عثمان داخلة فيها قطعاً، ويشهدون أن عثمان من أهل الجنة، ويشهدون أن عصر عثمان كان من خير العصور التي مرت على المسلمين وأزهاها، وكان المسلمون فيها على خير حال حتى نبغت الشرذمة الخارجية بمكر يهودي فطعنوا في عثمان، وأنكروا عليه علناً، وأشاعوا عنه الشائعات التي انطلت على الغوغاء الهمج الرعاع، فثاروا على عثمان، وانقلبوا عليه بدعوى تصحيح الأوضاع، واستئناف خلافة كخلافة الشيخين، فحصروه ثم قتلوه عليهم من الله ما يستحقون.
2- يقول سيد قطب: (وأخيراً ثارت الثائرة على عثمان واختلط فيها الحق بالباطل، والخير بالشر، ولكن لا بد لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام ، ويستشعر الأمور بروح الإسلام أن يقرر أن تلك الثورة في عمومها كانت أقرب إلى روح الإسلام واتجاهه من موقف عثمان أو بالأدق من موقف مروان ) [45]
وواضح من هذه الكلمة الآثمة الفاجرة أن عثمان رضي الله عنه لم يكن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام ولم يستشعر روح الإسلام، حتى ولو كان المتمكن هو مروان رحمه الله[46]
3- ولم يكتف سيد بالطعن في عثمان بل أضاف إلى ذلك الطعن في معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: (وحين يركن معاوية وزميله _ يعني عمرو بن العاص _ إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل) [47]
فهذه ست صفات من أخبث الصفات وأقبحها يصف بها سيد اثنين من سادات الصحابة وخيارهم وأهل الشأن فيهم.
سيد قطب يطعن في صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم :
4- وقال سيد قطب عن أبي سفيان رضي الله عنه: (أبوسفيان هو ذلك الرجل الذي لقي الإسلام منه والمسلمون ما حفلت به صفحات التاريخ، والذي لم يسلم إلا وقد تقررت غلبة الإسلام، فهو إسلام الشفة واللسان، لا إيمان القلب والوجدان، وما نفذ الإسلام إلى قلب ذلك الرجل) [48]
ومن هذه الأقوال يتجلى مدى تأثر سيد بفكر الشيعة والروافض في موقفهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدعوة إلى الثورات والانقلابات
1- قال ( وهذه المهمة مهمة إحداث انقلاب إسلامي عام غير منحصر في قطر دون قطر. بل مما يريده الإسلام ويضعه نصب عينيه أن يحدث هذا الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة، هذه غايته العليا ومقصده الأسمى، الذي يطمح إليه ببصره، إلا أنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها) [49]
(يشيد سيد بالثورة على عثمان ويشيد بثورة القرامطة)
يقول: (والواقع أن اتهام النظام الإسلامي بأنه لا يحمل ضماناته، إغفال للممكنات الواقعة في كل نظام كما أن فيه إغفالاً لحقائق التاريخ الإسلامي الذي شهد الثورة الكبرى على عثمان، وشهد ثورة الحجاز على يزيد، كما شهد ثورة القرامطة[50] وسواها ضد الاستغلال والسلطة الجائرة وفوارق الطبقات وما يزال الروح الإسلامي يصارع ضد هذه الاعتبارات جميعاً على الرغم من الضربات القاصمة التي وجهت إليه في ثلاثمائة وألف عام)[51]
وعلى هذا فالثورة على عثمان رضي الله عنه، وثورة القرامطة تمثل روح الإسلام عند سيد قطب. وهذا يعطيك صورة واضحة عن حقيقة الإسلام عند سيد قطب، الإسلام الذي يدعو إليه، وينادي به، إنه ليس إسلام الكتاب والسنة ولكنه إسلام الخوارج والقرامطة وباطل الاشتراكية، وبغض الروافض لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
سيد قطب يقرر أن الإسلام مزيج من النصرانية والشيوعية!!
18- قال سيد قطب: (ولا بد للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معاً مزيجاً كاملاً يتضمن أهدافهما جميعاً ويزيد عليهما التوازن والتناسق والاعتدال)[52]
قال الشيخ ابن عثيمين عن قائل هذا الكلام (إما جاهل بالإسلام، وإما مغرور بما عليه الأمم الكافرة من النصارى) [53]
وقال الشيخ حماد الأنصاري : قائل هذا الكلام إن كان حياً فيجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل[54].
سيد يرد مئات الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، وينكر عشرات المسائل العقدية عند أهل السنة والجماعة بجملة واحدة فيقول:
19- (أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة، والمرجع هو القرآن)[55]
قلت : ومعلوم أن أكثر الحديث النبوي غير متواتر، ومقرر أيضاً عند أهل السنة أنه متى ثبت الحديث ولو بطريق واحد وجب العمل به، واعتقاد ما فيه إن كان خبراً، والعمل بمقتضاه فعلاً أو تركاً إن كان طلباً. ولم يخرج عن هذه القاعدة العظيمة إلا أهل الأهواء والبدع الذين يرفضون السنة ولا يرفعون بها رأساً إنما يعظمون أفكار البشر، وزبالات العقول والأذهان السقيمة، كما هو مفصل في مواضعه من كتب أهل العلم.
(عند سيد: كتب التفسير السابقة ركام لا بد أن يستنقذ القرآن منه)
يقول عن كتابه مشاهد يوم القيامة والتصوير الفني :(في اعتقادي أنني لم أصنع بهذا الكتاب، وبسابقه ولن أصنع بلواحقه إلا أن أرد القرآن في إحساسنا جديداً كما تلاه العرب أول مرة، فسحروا به أجمعين، فلا أقل من أن يعاد عرضه، وأن ترد إليه جدته، وأن يستنقذ من ركام التفسيرات اللغوية، والنحوية والفقهية، والتاريخية والأسطورية، أيضاً)[56].
أقول: إن بعض كتب التفسير دخلها الحديث الضعف أو الموضوع وكثير من الإسرائيليات فلو كانت الدعوة موجهة إلى هذا النوع من التنقية لكان حسناً أما دعوة سيد إلى إلغائها فإنها من أعظم ما يحول بين الناس وبين فقه كتاب ربهم ومعرفة ومعانيه ومقاصده وأحكامه والله المستعان.
وأخيراً : سيد قطب يضطرب في معنى لا إله إلا الله
20 – يقول سيد قطب عند قوله تعالى (وهو الله لا إله إلا هو) : أي فلا شريك له في خلق ولا اختيار)[57]
21- ويقول (إن الأمر المستيقن في هذا الدين أنه لا يمكن أن يقوم في الضمير عقيدة ولا في واقع الحياة ديناً إلا أن يشهد الناس أن لا إله إلا الله أي: لا حاكمية إلا لله، حاكمية تتمثل في شرعه وأمره)[58].
أقول: الإشكال ليس فيمن يعتقد جواز التشريع لغير الله، ولكن السؤال عن حكم من يعتقد أن الحاكم هو الله ولكنه يدعو الأولياء ويتقرب إليهم بالذبح أو غيره من العبادات فعلى كلام سيد قطب أن مثل هذا مسلم موحد لأنه حقق كلمة التوحيد على تفسيره.
مثله مثل من لا يكفر هذا النوع من الناس لكونه يعتقد أنه لا خالق إلا الله لأن معنى كلمة التوحيد عنده أنه لا خالق إلا الله.
وهذه الجملة التي فسر بها سيد كلمة التوحيد هي حق في نفسها لكنْ جعلُها معنى كلمة التوحيد هذا هو الباطل العظيم، والجهل الكبير بحقيقة التوحيد الذي بعثت لأجله الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو إفراد الله بالعبادة قال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).
خاتمة
بهذا أصل وإياك أيها القارئ الكريم إلى ختام هذه الجولة في حياة سيد قطب واستعراض بعض أقواله وأطروحاته سائلاً المولى الكريم أن ينفعك بما قرأت فيها والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
[12] - تنبيه: لقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج على الحاكم ما لم ير منه كفر بواح، كما في الصحيحين (إلا أن تروا كفراً بواحاً) كما لا يجوز الخروج عند الكفر البواح إلا إذا وجدت القوة والقدرة على تغييره بخير منه دون حدوث شر من سفك الدماء واختلال الأمن للقاعدة الشرعية (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) فانظر هل كانت تلك _ الثورة _ ملتزمة بالضوابط الشرعية؟
[21] - لماذا التفريق بين (الشباب المسلم) وبين (الناس الآخرين) هل من سوى الشباب المسلم من أفراد المجتمع المسلم الذي لم ينضم إلى التنظيم السري كفار؟
[22] - مصطلحات عظيمة لو كان فهمها على ضوء القرآن والسنة وفهم السلف الصالح، لكن هيهات. وكان الأولى أن يثلث بالمرتبة الثالثة من مراتب الدين وهي الإحسان كما في حديث جبريل عليه السلام.
[23] - ما الداعي لإفراد هذا المصطلح، أليس هو داخلاً في توحيد الربوبية أو الألوهية؟ أم أنه التأكيد على أن من وحد الله ثم تحاكم إلى غير حكمه في بعض القضايا فهو مرتد دون تفصيل بين من استحل ومن لم يستحل؟!!
[24]- هذه التربية وفق النظرة الحزبية الضيقة، والتوعية المذكورة هي ما يسميه اليوم بعض القطبيين بفقه الواقع، والذي أشغلوا به الشباب عن الفقه الشرعي، وجعلوا من صدورهم مراجل تغلي حقداً على حكامهم؛ لأن من معاني هذا الفقه أو أهدافه تتبع آفات الحكام.
[25] - هل تنظيم المدعوين في إطار حزبي يفارقون به سائر المسلمين عليه برهان من كتاب أو سنة أو عمل السلف الصالح؟ معاذ الله قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وقال تعالى (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون).
[26]- سيد لا يريد إخراج الناس من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده، بل يريد إقامة حكم (إسلامي) حسب منظوره للإسلام ولهذا لا يهمه أن يدعى المجتمع كله بل يكفي دعوة القطاعات المؤثرة فيه والتي يمكن أن يتحقق من خلالها إقامة النظام. وكانت نقطة البدء عند جميع الأنبياء الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة، ثم الانتقال بهم إلى بقية أحكام الدين، يدعى الناس كلهم إلى ذلك، قامت دولة أم لم تقم.
[27] - انظر كتاب الخالدي (406) قلت: كيف ينسجم هذا مع ما كان يحث أتباعه عليه في أول الثورة من البعد عن سفك الدماء كما تقدم في ص (10)
[31] - وعلى هذا التعميم الظالم الذي يشمل الدولة السعودية القائمة على الشريعة سار كثير من القطبيين فصرحوا أو لمحوا بهذا المعنى والله المستعان.
[32] - انظر كتاب الخالدي (287حتى 479) جميع المعلومات من هذا الكتاب وأما العناوين والتعليق فظاهر أنه من صنعي.
[41] - التصوير الفني في القرآن: ص 200
[42] - انظر التصوير الفني ص163
[43] - العدالة 206 ط5
[44] - العدالة 172 ط12
[45] - العدالة 189 ط5
[46] - مروان بن الحكم أحد رجالات بين أمية، ولد في عهد النبي صلى الله عليه و سلم وعده ابن عبد البر من الصحابة، وروى عنه بعض الصحابة، وكبار التابعين، وأخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[47] - كتب وشخصيات ص (206)
[48] - مجلة المسلمون العدد3 سنة 1371هـ
[50] - مما فعله القرامطة في ثورتهم التي يشيد بها سيد قطب قتل الحجاج في بيت الله الحرام في يوم التروية سنة 317هـ بقيادة زعيمهم الباطني الزنديق أبي طاهر لعنه الله، ثم سلب البيت الحجر الأسود، وسلب الحجاج أموالهم وهو يقول: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ومكث الحجر الأسود عند القرامطة حتى أعادوه بعد اثنتين وعشرين سنة . انظر تاريخ ابن كثير حوادث سنة 317هـ والله المستعان.
[51] - العدالة الإجتماعية 223
[54] - المرجع السابق ص24
[57] - الظلال (5/2707).
[58] - العدالة الإجتماعية ( 182)