التهوين من البدع مسلك [المميعة] وأهل الأهواء والبدع.

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ...أما بعد :


فإن لأهل الأهواء ومن تأثر بهم من المميعة والمخدوعين طرقاً كثيرة في الرد والدفع عن مقدسيهم من المبتدعة،فتارة يحاولون إنكار الجرح والتعديل الذي لا ينكره إلا جاهل أو صاحب هوى ضال،وتارة ينكرون الامتحان لأن فيه فضح لأحوال أهل الريبة وبيان لمواقفهم من المبتدعة الضلال أو موقفهم من أهل السنة الأخيار،ولهم طرق كثيرة ومنها التهوين من البدع فيسمونها زلات أو أخطاء ،ويقولون عمن يحاولون الدفع عنه فلان عنده أخطاء ثم يقولون كلمتهم الشهيرة :ومن ذا الذي لا أخطاء عنده !


أو يتمثلون بقول القائل :


من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط !



أو قول القائل :


ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلا أن تعد معايبه !



فتروج قولتهم على من يسمعهم من الجهال والذين في قلوبهم مرض الشبهات،وليت دور هؤلاء الجهال ينتهي إلى هنا بل تجدهم قد تحولوا تلقائياً إلى أبواق لأهل الباطل يكررون ما قيل لهم ويدافعون عنه أيما دفاع والله المستعان.


والاعتياض عن تسمية المحدثات والبدع باسمها الحقيقي إلى تسميتها بالأخطاء باطل من وجوه عدة :



منها أنه اتباع لغير سبيل المؤمنين من السلف وأئمة السنة الصالحين الذي حذرنا الحق جل وعز من مخالفته في قوله))وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً))[النساء 115]


فلم يرد هذا التهوين عن السلف الصالح بل الوارد نقيضه فقد كانوا رحمهم الله يظهرون البدع وأهلها بأشنع صورة وأقبح منظر حتى تنفر النفوس منها بل كانوا يذمون من هون من البدع كما ورد عن غير واحد منهم ومن ذلك ما رواه الخلال في سننه قال:أخبرنا أبو بكر المروذي،قال:قلت لأبي عبد الله إني قلت لأبي ثور سألته عن الشراك؟فقال(أي أبو ثور):هذه بدعة.فغضب غضباً شديداً وقال:هكذا أراد أن يقول بدعة ! هذا كلام جهم بعينه.[السنة 1/66ط. الراية]


قلت :كان أحمد الشراك يقول:القرآن كلام الله فإذا تلوته فتلاوته مخلوقة فقال الإمام أحمد:قاتله هذا كلام جهم بعينه ![انظر المصدر السابق 1/63]


ومنها أيضاً ما ذكره الحافظ الذهبي في السير في ترجمة ابن جرير الطبري عن محمد بن علي بن سهل سمعت محمد بن جرير وهو يكلم ابن صالح الأعلم يقول: من قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي هدى أيش هو؟ قال: مبتدع .


فقال ابن جرير إنكارا عليه مبتدع مبتدع !هذا يقتل[السير14/275].


أما تقبيحهم للبدع وما يتفرع عنها فهذا أكثر من أن يحصى ومن الآثار المشهورة في هذا المعنى الآثر عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس أن رجلاً أتاه فقال:يا أبا عبد الله من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول صلى الله عليه وسلم. فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد . فقال : لا تفعل . قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر . قال : لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة . فقال : وأي فتنة هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها . قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سمعت الله يقول :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).


وكانوا رحمهم الله يحثون على إظهار أشنع مقالات القوم أمام العامة لينفروا منهم ومن طريقهم قال الإمام شيخ السنة أبو نصر السجزي في رسالته إلى أهل زبيد:ثم تعرِفوا العوام أن فرق اللفظية والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح وفساد القول في بعضها[ص68ط.الراية]


وليس معنى ذلك يقينا أنهم كانوا يكذبون عليهم بل والله لا يوجد أنصف وأعدل من أهل السنة.


وبهذا يتبين أن السلف كانوا يسمون البدع تسمية تدل على حقيقتها لا كما يفعل بعض متحذلقة اليوم.



ومن أوجه إبطال تسمية البدع أخطاء أن لفظ الخطأ لفظ عام يشمل ما كان عن قصد وما كان عن غيره ويشمل أنواع عديدة من المخالفات للحق فيشمل الشرك فهو أكبر خطأ ويشمل قتل النملة لغير حاجة،فهو لفظ مجمل لا يدل على حقيقة البدع التي يحمل كل فرد من أفرادها معنى الاستدراك على الله جل وعز؛قال الشاطبي:فالمبتدع راد لهذا كله؛فإنه يزعم أن ثمَّ طرقاً أُخر،وليس ما حصره الشارع بمحصور،ولا ما عينه بمتعين،وأن الشارع يعلم ونحن أيضاً نعلم،بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع أنه علم ما لم يعلمه الشارع...[الاعتصام1/64 ط.العلوم والحكم]


لذلك يجب أن تسمى البدع باسمها الحقيقي حتى يحذر المسلم الوقوع في هذه الضلالات نسأل الله العافية،ولا يسلك المسلم مسلك أهل الباطل الذي يلجأون إلى الإجمال لتمرير باطلهم.



ومن أوجه رد هذه التسمية المائعة ما تفرع عنها فإن خبث الثمار كلها يدل على خبث الشجرة وانحراف الفرع تبع لانحراف الأصل،وهذه الكلمة نتج عنها عبارات خبيثة يراد منها التلبيس والتشويش أشرت لبعضها في بداية المقال وأضيف قول بعضهم:هل يُسقط السلفي بخطأ واحد ؟


فهذه العبارة إذا قرأها القارئ تعاطف مع قائلها وظن أن من يُسقط هذا السلفي بأن عنده غلو وتشدد والرد على هذا بأن يقال:وما أدراك ما نوع الخطأ فقد سبق أن أشرت إلى أن لفظ الخطأ يشمل الشرك فقد يقع من كان سلفياً في الشرك هل يقول أحد بعدم سقوطه إن وقع في الشرك ؟أو هل يقول أحد بعدم سقوطه إذا وقع في البدع ؟وهل يقول أحد بعدم سقوطه إذا طعن في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أو بعضهم ؟!


والأمثلة كثيرة لكن أردت مما طرح بيان بطلان هذه العبارة التي تروج على كثير من الدهماء هداهم الله.


ولا أنسى أن أنبه أنه قد ورد على لسان بعض العلماء استعمال لفظ الأخطاء لتوصيف البدع ولكن الفرق أنهم لم يكونوا يستعملوه في معرض الدفاع عن أحد بل كان في سياق الإخبار الذي قد يتساهل فيه.والله أعلم



هذا ما لدي باختصار فإن أصبت فالحمد لله وإن أخطأت فمن نفسي المقصرة والشيطان...والله المستعان



وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم 

المصدر: 
http://www.alwaraqat.net/showthread.php?3289-%C7%E1%CA%E5%E6%ED%E4-%E3%E4-%C7%E1%C8%CF%DA-%E3%D3%E1%DF-%C7%E1%E3%E3%ED%DA%C9-%E6%C3%E5%E1-%C7%E1%C3%E5%E6%C7%C1-%E6%C7%E1%C8%CF%DA.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

:: رسالة الكفر بالطاغوت :: للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تأمل رحمك الله وجعلك الله من أهل التوحيد الخلص

ثمار التوحيد في ضوء الكتاب والسنة

اقوال وحكم...