وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ".


وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ".

ومن هذه الآيات كسوف الشمس حتى بوب ابن خزيمة في صحيحه (2/ 309) "باب ذكر الخبر الدال على أن كسوفهما تخويف من الله لعباده قال الله عز و جل { وما نرسل بالآيات إلا تخويفا }.

وقد بين صلى الله عليه وسلم أن الشمس والقمر من آيات الله الدالة على قدرته وحكمته، وأن تغيُّر نظامهما الطبيعي ، لا يكون لحياة العظماء أو موتهم كما يعتقد أهل الجاهلية وإنما يكون ذلك لأجل تخويف العباد، فيجددوا التوبة والإنابة إلى الله تعالى. ولأهمية الكسوف وصلاة الكسوف كانت هذه المسائل .



المسألة الأولى : ما هو الكسوف

جاء في نيل الأوطار (3/387) :" الكسوف لغة: التغير إلى سواد ، ومنه كسف في وجهه ، وكسفت الشمس: اسودت وذهب شعاعها. قال في الفتح: والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر ، واختاره ثعلب ، وذكر الجوهري.: أنه أفصح ، وقيل: يتعين ذلك. وحكى عياض عن بعضهم عكسه وغلطه لثبوته بالخاء في القمر في القرآن وقيل: يقال بهما في كل منهما، وبه جاءت الأحاديث. قال الحافظ: ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف ؛ لأن الكسوف التغير إلى سواد ، والخسوف النقصان أو الذل. قال: ولا يلزم من ذلك أنهما مترادفان. وقيل: بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء. وقيل: بالكاف لذهاب جميع الضوء ، وبالخاء لبعضه. وقيل: بالخاء لذهاب كل اللون ، وبالكاف لتغيره انتهى ".

جاء في صحيح مسلم (3/ 33) عن عروة قال لا تقل كسفت الشمس ولكن قل خسفت الشمس ".

لكن ابن حجر لم يرتضِ ذلك فقال في فتح الباري (3/ 496) :" لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه ( أي تخالف عروة ) لثبوتها بلفظ الكسوف في الشمس من طرق كثيرة ، والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر ".

وفي الاصطلاح: احتجاب ضوء الشمس أو القمر أو بعضه بسبب معتاد يخوف الله به عباده ، فعلى هذا يكون الكسوف والخسوف مترادفين أي بمعنى واحد ، فَيُقال: كسفت الشمس وخسفت، وكسف القمر وخسف كما ذكر ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع 5/ 175.

وقيل: الكسوف للشمس ، والخسوف للقمر .

قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث4/174: " قد تكرر في الحديث ذكر الكسوف والخسوف ( للشمس والقمر " فرواه جماعة فيهما بالكاف ، ورواه جماعة فيهما بالخاء ، ورواه جماعة في الشمس بالكاف ، وفي القمر بالخاء ، وكلهم رووا أنهما آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، والكثير في اللغة - وهو اختيار الفراء - أن يكون الكسوف للشمس ، والخسوف للقمر، يقال: كسفت الشمس ، وكسفها الله، وانكسفت، وخسف القمر، وخسفه الله، وانخسف ".

وقال أيضًا 2/ 31: " إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته: يقال: خسف القمر بوزن ضرب إذا كان الفعل له وخُسِفَ القمر على ما لم يسم فاعله ، وقد ورد الخسوف في الحديث كثيراً للشمس ، والمعروف لها في اللغة الكسوف لا الخسوف ، فأما إطلاقه في مثل هذا الحديث فتغليبًا للقمر ، لتذكيره على تأنيث الشمس ، فجمع بينهما فيما يخص القمر ، وللمعاوضة أيضًا ؛ فإنه قد جاء في رواية أخرى: ( إن الشمس والقمر لا ينكسفان ) ، وأما إطلاق الخسوف على الشمس منفردة ؛ فلاشتراك الخسوف والكسوف في معنى ذهاب نورهما وإظلامهما ، والانخساف مطاوع خسفته فانخسف ".

وقال في جامع الأصول6/156:" يقال: كسفت الشمس وكسفها الله بتعدّي فعله ولا يتعدّى ، وكذلك كسف القمر ، والأولى أن يقال: خسف القمر ، وقد جاء في الحديث: كسفت الشمس ، وخسفت ، وكسف القمر وخسف ".

وقال الفيروز آبادي في القاموس ص804: " خسف المكان يخسف خسوفًا إذا ذهب في الأرض وخسف القمر كسف أو كسف للشمس وخسف للقمر أو الخسوف إذا ذهب بعضهما والكسوف كلهما ".

وقال أيضا في ص848:" كسف الشمس والقمر كسوفًا احتجبا كانكسفا وكسف الله إيهما حجبهما والأحسن في القمر خسف وفي الشمس كسفت".

وقال النووي في شرح صحيح مسلم6/ 251:" يقال: كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف وكُسِفا بضمها وانكسفا وخسفا وخُسِفا وانخسفا بمعنى وقيل: كسف الشمس بالكاف وخسف القمر بالخاء وحكى القاضي عياض عكسه عن بعض أهل اللغة والمتقدمين وهو باطل مردود بقول الله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} ثم جمهور أهل العلم وغيرهم على أن الخسوف والكسوف يكون لذهاب ضوئهما، كله، ويكون لذهاب بعضه ، وقال جماعة منهم الليث بن سعد : الخسوف في الجميع ، والكسوف في بعض ، وقيل: الخسوف ذهاب لونهما، والكسوف تغيره ".

وبوب الإمام البخاري: ( بابٌ: هل يقول: كسفت الشمس أو خسفت، وقال الله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ}.

قال الحافظ ابن حجر 2/ 535: " قال الزين بن المنير: أتى بلفظ الاستفهام إشعاراً منه بأنه لم يترجح عنده في ذلك شيء ؛ قلت ( ابن حجر ) : ولعله أشار إلى ما رواه ابن عيينة عن الزهري عن عروة قال: لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا: خسفت ، وهذا موقوف صحيح رواه سعيد بن منصور عنه ، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عنه ، لكن الأحاديث الصحيحة تخالفه ؛ لثبوتها بلفظ الكسوف في الشمس من طرق كثيرة ، والمشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس ، والخسوف للقمر، واختاره ثعلب ، وذكر الجوهري أنه أفصح ، وقيل: يتعين ذلك ، وحكى عياض عن بعضهم عكسه ، وغلطه لثبوته بالخاء في القمر في القرآن وكأن هذا السر في استشهاد المؤلف به في الترجمة ، وقيل: يقال بهما في كل منهما وبه جاءت الأحاديث ، ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف ؛ لأن الكسوف التغير إلى السواد ، والخسوف النقصان أو الذل ، فإذا قيل: في الشمس كسفت أو خسفت ؛ لأنها تتغير ويلحقها النقص ساغ ، وكذلك القمر ، ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان ، وقيل: بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء ، وقيل: بالكاف لذهاب جميع الضوء وبالخاء لبعضه ، وقيل: بالخاء لذهاب كل اللون والكاف لتغيره ".







المسألة الثانية : متى تصلى صلاة الكسوف

لا تشرع صلاة الكسوف إلا عند رؤية الكسوف ؛ لا بالسماع مع أن العلم بوقوع الكسوف أمر ممكن يدرك بالحساب وليس هو من علم الغيب .



فقد أخرج البخاري (ح 997 ) عن عائشة أنها قالت : خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف وقد انجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا ) . ثم قال ( يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ). وأخرجه مسلم في الكسوف باب صلاة الكسوف رقم 901 .

وصلاة الكسوف لا تكون إلا برؤية الآية هو مذهب الشيخ ابن باز رحمه الله حيث قال كما في مجموع فتاويه (13/31) :" لا يشرع لأهل بلد لم يقع عندهم الكسوف أن يصلوا ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالصلاة ، وما ذكر معها برؤية الكسوف لا بالخبر من أهل الحساب بأنه سيقع ، ولا بوقوعه في بلد آخر ، وقد قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وهو صلى الله عليه وسلم إنما صلى صلاة الكسوف لما وقع ذلك في المدينة وشاهده الناس ، وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس وأنصح الناس ، وأنه هو المبلغ عن الله أحكامه ، فلو كانت صلاة الكسوف تشرع بأخبار الحسابيين ، أو بوقوع الكسوف في مناطق أو أقاليم لا يشاهدها إلا أهلها ، لبين ذلك وأرشد الأمة إليه، فلما لم يبين ذلك ، بل بين خلافه ، وأرشد الأمة إلى أن يعتمدوا على الرؤية للكسوف علم بذلك أن الصلاة لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده ".

أما أخبار الفلكيين المتناقلة على وسائل الإعلام فلا يجزم بصدقهم ولا كذبهم ولا ينبني على قولهم حكم شرعي جاء في فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (3/ 128) :" الكسوف يدرك بالحساب ، وليس توثباً على علم مستقبل، بل هو أخذ مستقبل من ماض عادة ضبطت به بالنسبة إلى المنازل والبروج إلا أنه لا يجزم بقولهم ، فلا يصدقون ولا يكذبون ، لأنه أمر حسابي قد يصيبون وقد يخطئون ، كأخبار بني إسرائيل ، يعرض عنه ويغلطون في جزمهم به إذا تفوهوا بذلك ، وتوضؤ الإنسان وتهيؤه هو تصديق وهو مخطئ وغلطان .

وقول أهل الفلك في سبب الكسوف والخسوف لا ينافي كون ذلك تخويفاً ، ليس من شرط التخويف ألا يكون له سبب ، فإن الله كون العالم على هذا الشكل الذي يوجد فيه كسوف ، ولو شاء لكونه على خلاف ذلك ".



وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (4/ 424) :" والعلم بوقت الكسوف والخسوف وإن كان ممكنا لكن هذا المخبر المعين قد يكون عالما بذلك وقد لا يكون وقد يكون ثقة في خبره وقد لا يكون وخبر المجهول الذي لا يوثق بعلمه وصدقه ولا يعرف كذبه موقوف ولو أخبر مخبر بوقت الصلاة وهو مجهول لم يقبل خبره ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون . ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علم شرعي فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تصلى إلا إذا شاهدنا ذلك.

وإذا جوز الإنسان صدق المخبر بذلك أو غلب على ظنه فنوى أن يصلي الكسوف والخسوف عند ذلك واستعد ذلك الوقت لرؤية ذلك كان هذا حثا من باب المسارعة إلى طاعة الله تعالى وعبادته فإن الصلاة عند الكسوف متفق عليها بين المسلمين وقد تواترت بها السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواها أهل الصحيح والسنن والمسانيد من وجوه كثيرة".

أقول : ( الحسيني ) : كلام شيخ الإسلام (( وإذا جوز الإنسان صدق المخبر بذلك أو غلب على ظنه فنوى أن يصلي الكسوف والخسوف عند ذلك واستعد ذلك الوقت لرؤية ذلك كان هذا حثا من باب المسارعة إلى طاعة الله تعالى وعبادته)) يشعر بجواز صلاة الكسوف أو التهيؤ لها اعتمادا على تلك الأخبار !!! مع العلم أن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ غلّط من يفعل ذلك فقال ( وتوضؤ الإنسان وتهيؤه هو تصديق وهو مخطئ وغلطان ) ؛



بل وجه الشيخ ابن باز رحمه الله إلى وزارات الإعلام بمنع إذاعة الخبر ونبه رحمه الله على عدم التعويل على أخبار الفلكيين فقال مجموع فتاويه (13/ 36) :" أما أخبار الحسابيين عن أوقات الكسوف فلا يعول عليها ، وقد صرح بذلك جماعة من أهل العلم، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما ؛ لأنهم يخطئون في بعض الأحيان في حسابهم ، فلا يجوز التعويل عليهم ، ولا يشرع لأحد أن يصلي صلاة الكسوف بناء على قولهم ، وإنما تشرع صلاة الكسوف عند وقوعه ومشاهدته.

فينبغي لوزارات الإعلام منع نشر أخبار أصحاب الحساب عن أوقات الكسوف حتى لا يغتر بأخبارهم بعض الناس ؛ ولأن نشر أخبارهم قد يخفف وقع أمر الكسوف في قلوب الناس ، والله سبحانه وتعالى إنما قدره لتخويف الناس وتذكيرهم ؛ ليذكروه ويتقوه ويدعوه ويحسنوا إلى عباده، والله ولي التوفيق ". انتهى كلام الشيخ ابن باز

وقول ابن باز هو قول الشيخ ابن عثيمين رحمهمها الله تعالى



المسألة الثالثة :حُكم صلاة الكسوف

قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (2/500):" صلاة العيد والكسوف الراجح هو القول بوجوبهما ".

وقال أيضا (5/ 93) :" صلاة الكسوف فمختلف فيها من العلماء من يقول واجبة ومنهم من يقول ليست بواجبة والصحيح أنها واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها وفزع لما كسفت الشمس وصلاها صلاة غريبة لكنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي من أهل البلد سقطت من الباقين".

وقيل هي سنة مؤكدة، قال الإمام النووي في شرح مسلم 6/451: " وأجمع العلماء على أنها سنة ".

وقال ابن قدامة في المغني3/330:" صلاة الكسوف سنة مؤكدة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها ".

وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 2/527: " فالجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، ولم أره لغيره، إلا ما حُكي عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل عن بعض مصنفي الحنفية أنها واجبة " .

وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع 5/181:" وقال بعض أهل العلم: إنها واجبة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيتم ذلك فصلوا قال ابن القيم في كتاب الصلاة: وهو قول قوي ، أي: القول بالوجوب ، وصدق ـ رحمه الله ـ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بها وخرج فزعاً ، وقال: إنها تخويف ، وخطب خطبة عظيمة ، وعُرضت عليه الجنة والنار، وكل هذه القرائن العظيمة تشعر بوجوبها ؛ لأنها قرائن عظيمة ، ولو قلنا: إنها ليست بواجبة ، وإن الناس مع وجود الكسوف إذا تركوها مع هذا الأمر من النبي عليه الصلاة والسلام والتأكيد فلا إثم عليهم لكان في هذا شيء من النظر، كيف يكون تخويفاً ثم لا نبالي وكأنه أمر عادي؟ أين الخوف؟ التخويف يستدعي خوفاً ، والخوف يستدعي امتثالاً لأمر النبي عليه الصلاة والسلام) .

والقول بالوجوب هو مذهب الشيخ الألباني رحمه الله

قال في تمام المنة (ص261):" ومن ( صلاة الكسوف ) قوله (يعني سيد سابق) :" اتفق العلماء على أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة في حق الرجال " والنساء " .

قلت ( الألباني ) : فيه أمران

الأول : ذهب بعضُ أهل العلم إلى وجوب صلاة الكسوف ، وبوب عليه أبو عوانة في ( صحيحه ) : (2/398): ( بيان وجوب صلاة الكسوف ) وهو ظاهر صنيع ابن خزيمة في ( صحيحه ): (2/308) فقال : ( باب الأمر بالصّلاة عند كسوف الشّمس والقمر ) وذكر بعض الأحاديث في الأمر بها ، ومن المعلوم من أسلوب ابن خزيمة في ( صحيحه ) أنه حين يكون الأمر عنده لغير الوجوب ، يبيّن ذلك في أبواب كتابه .

قال ابن حجر : ( الجمهور على أنها سنّة مؤكّدة ، وصرّح أبو عوانة في ( صحيحه ) بوجوبها ،ولم أره لغيره ، إلا ما حكي عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة ، ونقل الزّين ابن المنيّر عن أبي حنيفة أنه أوجبها ، وكذا نقل بعضُ مصنّفي الحنفيّة أنها واجبة . قلت وهو الأرجح دليلا .

والآخر : إن القول بالسنيّة فقط ، فيه إهدار للأوامر الكثيرة التي جاءت عنه صلى الله عليه وسلم في هذه الصّلاة ، دون أيّ صارف لها عن دلالتها الأصليّة ، ألا وهو الوجوب ... والعجب من ابن حزم أنه لم يتعرض في كتابه " المحلى " لبيان حكم هذه الصلاة العظيمة وإنما تكلم فقط عن كيفية صلاتها بتفصيل بالغ ولعله جاء فيه بما لم يسبق إليه فشغله ذلك عن بيان مذهب في حكمها ".

وهو مذهب ابن عثيمين رحمه الله

قال في الشرح الممتع (4/ 8):" والصحيح: أَنَّ صلاة الكُسُوف فرضٌ واجب ، إِمَّا على الأعيان ؛ وإِمَّا على الكفاية ، وأَنَّه لا يمكن للمسلمين أن يَرَوا إنذارَ الله بكسُوف الشمسِ والقمرِ ، ثم يَدَعوا الصَّلاةَ ؛ مع أنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ بها ، وأَمَرَ بالصدقة والتكبير والاستغفار والعتق والفزع إلى الصلاة ، وحصل منه شيءٌ لم يكن مألوفاً مِنْ قبلُ ، فكيف تقترنُ بها هذه الأحوالُ مع الأمر بها ، ثم نقول: هي سُنةٌ ؛ لو تركها المسلمون لم يأثموا. فأقلُّ ما نقول فيها: إنها فرضُ كفاية.



المسألة الرابعة : لا يؤذن لصلاة الكسوف ولا يقام لها

لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بغير أذان ولا إقامة؛ ولأنها من غير الصلوات الخمس.

قال ابن قدامة في المغني (3/313):" وَيُسَنُّ أَنْ يُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: لَمَّا كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ بِالصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَا يُسَنُّ لَهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، وَلِأَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ النَّوَافِلِ".

ونقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/533) عن ابن دقيق العيد :" أن هذا الحديث حجة لمن استحب ذلك وقد اتفقوا على أنه لا يؤذن لها ولا يقام قوله أن الصلاة بفتح الهمزة وتخفيف النون وهي المفسرة وروي بتشديد النون والخبر محذوف تقديره أن الصلاة ذات جماعة حاضرة ويروى برفع جامعة على أنه الخبر وفي رواية الكشميهني نودي بالصلاة جامعة وفيه ما تقدم في لفظ الترجمة وعن بعض العلماء يجوز في الصلاة جامعة النصب فيهما والرفع فيهما ويجوز رفع الأول ونصب الثاني وبالعكس".



المسألة الخامسة : النداء بها : الصلاة َ جامعةً ( بنصبهما ) أو الصلاةُ جامعةٌ ( برفعهما )

أخرج البخاري (2/ 25) "باب النداء بــــ الصلاة جامعة في الكسوف " : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي أن الصلاة جامعة ".

وفي صحيح مسلم (3/ 34) :" باب ذِكْرِ النِّدَاءِ بِصَلاَةِ الْكُسُوفِ « الصَّلاَةَ جَامِعَةً ".عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُودِىَ بِــــــ الصَّلاَةَ جَامِعَةً .

وفي صحيح مسلم (3/ 29):" عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ مُنَادِيًا « الصَّلاَةَ جَامِعَةً ». فَاجْتَمَعُوا وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ. وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِى رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ.

وفي سنن أبي داود (1/381) عن عائشة قالت: كسفت الشمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فنادى أن : الصلاة جامعة. قال الشيخ الألباني : صحيح .

قال ابن حجر في فتح الباري (2/ 533) :" (قوله باب النداء بالصلاة جامعة): هو بالنصب فيهما على الحكاية ونصب الصلاة في الأصل على الإغراء وجامعة على الحال أي احضروا الصلاة في حال كونها جامعة وقيل برفعهما على أن الصلاة مبتدأ وجامعة خبره ومعناه ذات جماعة وقيل جامعة صفة والخبر محذوف تقديره فاحضروها ".

وعند شيخ الإسلام في الاختيارات الفقهية (ص: 38) :" والسنة أن ينادي للكسوف الصلاة جامعة ".

المسألة السادسة : الجهر بالقراءة

جاء في البخاري ( ح 1065 ) وفي مسلم ( ح 2131) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف بقراءته، فإذا فرغ من قراءته كبَّر فركع، وإذا رفع من الركعة قال: ( سمع الله لمن حمدهُ ربنا ولك الحمد ) ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات) .

قال ابن قدامة في المغني (2/ 274) :" وأما الجهر فقد روي عن علي رضي الله عنه وفعله عبد الله بن يزيد وبحضرته البراء بن عازب وزيد بن أقم وبه قال أبو يوسف وإسحاق وابن المنذر وروت عائشة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى صلاة الكسوف وجهر فيها بالقراءة ] قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ولأنها نافلة شرعت لها الجماعة فكان من سنتها الجهر كصلاة الاستسقاء والعيد والتراويح فأما قول عائشة رضي الله عنها : [ حزرت قراءته ] ففي إسناده مقال لأنه من رواية ابن إسحاق : ويحتمل أن تكون سمعت صوته ولم تفهم للبعد أو قرأ من غير أول القرآن بقدر البقرة ثم حديثنا صحيح صريح فكيف يعارض بمثل هذا وحديث سمرة يجوز أنه لم يسمع لبعده فإن حديثه دفعت إلى المسجد وهو بازر يعني مغتصا بالزحام قاله الخطابي ومن هذه حاله لا يصل مكانا يسمع منه ثم هذا نفي محتمل لأمور كثيرة فكيف يترك من أجله الحديث الصحيح الصريح وقياسهم منتقض بالجمعة والعيدين والاستسقاء وقياس هذه الصلاة على هذه الصلوات أولى من قياسها على الظهر لبعدها منها وشبهها بهذه ".

وفي الفتاوى الكبرى (4/ 424) :" وثبت عنه في الصحيح أنه جهز بالقراءة فيها ".

وفي إعلام الموقعين عن رب العالمين (2/ 435) :" رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الجهر في صلاة الكسوف كما في صحيح البخاري عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم "قرأ قراءة طويلة يجهر بها في صلاة الكسوف" قال البخاري: تابعه سليمان بن كثير وسفيان ابن حسين عن الزهري.

قلت: أما حديث سليمان بن كثير ففي مسند أبي داود الطيالسي حدثنا سليمان ابن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف وقد تابعه عبد الرحمن بن نمر عن الزهري وهو في الصحيحين أنه سمع ابن شهاب يحدث عن عروة عن عائشة "كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ان الصلاة جامعة فاجتمع الناس فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر وافتتح القرآن وقرأ قراءة طويلة يجهر بها" فذكر الحديث قال البخاري: حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة قلت يريد قول سمرة: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف لم نسمع له صوتا " وهو أصرح منه بلا شك وقد تضمن زيادة الجهر فهذه ثلاث ترجيحات.

والذي ردت به هذه السنة المحكمة هو المتشابه من قول ابن عباس:" أنه صلى الكسوف فقرأ نحوا من سورة البقرة" قالوا: فلو سمع ما قرأ لم يقدره بسورة البقرة وهذا يحتمل وجوها:

أحدها: أنه لم يجهر.

الثاني: أنه جهر ولم يسمعه ابن عباس .

الثالث: أنه سمع ولم يحفظ ما قرأ به فقدره بسورة البقرة فإن ابن عباس لم يجمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جمعه بعده.

الرابع: أن يكون نسي ما قرأ به وحفظ قدر قراءته فقدرها بالبقرة ونحن نرى الرجل ينسى ما قرأ به الإمام في صلاة يومه فكيف يقدم هذا اللفظ المجمل على الصريح المحكم الذي يحتمل إلا وجها واحدا؟. ومن العجب أن أنسا روى ترك جهر النبي صلى الله عليه وسلم ببسم الله الرحمن الرحيم ولم يصح عن صحابي خلافه فقلتم كان صغيرا يصلي خلف الصفوف فلم يسمع البسملة وابن عباس أصغر سنا منه بلا شك وقدمتم عدم سماعه للجهر على من سمعه صريحا فهلا قلتم كان صغيرا فلعله صلى خلف الصف فلم يسمعه جهر.

وأعجب من هذا قولكم: إن أنسا كان صغيرا لم يسمع تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم "لبيك حجا وعمرة" وقدمتم قول ابن عمر عليه أنه أفرد الحج وأنس إذ ذاك له عشرون سنة وابن عمر لم يستكملها وهو بسن أنس وقوله: "أفرد الحج" مجمل وقول أنس سمعته يقول لبيك عمرة وحجا محكم مبين صريح لا يحتمل غير ما يدل عليه وقد قال ابن عمر: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج وبدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فقدمتم على حديث أنس الصحيح الصريح المحكم الذي لم يختلف عليه فيه حديثا ليس مثله في الصراحة والبيان ولم يذكر رواية لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد اختلف عليه فيه ".



المسألة السابعة : تصلى صلاة الكسوف في المسجد

لحديث عائشة في صحيح البخاري (2/ 26) :" باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف ... عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن يهودية جاءت تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعذب الناس في قبورهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذلك ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة مركبا فخسفت الشمس فرجع ضحى فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الحجر ثم قام يصلي وقام الناس وراءه فقام قياما طويلا ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم رفع فسجد ثم قام فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم رفع فسجد ثم قام وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم رفع فسجد وانصرف فقال ما شاء الله أن يقول ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر ) وفي لفظ لمسلم (ح 2136) :" فَخَسَفَتْ الشَّمْسُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَخَرَجْتُ فِي نِسْوَةٍ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْحُجَرِ فِي الْمَسْجِدِ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَرْكَبِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فَقَامَ وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ ..." وعند مسلم (ح 2129) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ وَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً ....".



المسألة الثامنة : تصلي النساء خلف الرجال

صحيح البخاري (2/ 28) :" باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف

عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون وإذا هي قائمة تصلي فقلت ما للناس فأشارت بيدها إلى السماء وقالت سبحان الله فقلت آية فأشارت أي نعم قالت فقمت حتى تجلاني الغشى فجعلت أصب فوق رأسي الماء فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه ...".

قال ابن قدامة في المغني 3/322:" وتشرع في حق النساء ؛ لأن عائشة وأسماء صلتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وفي رواية عند مسلم (3/ 31ح2140):" ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا - وقال أبو بكر حتى انتهى إلى النساء - ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام فى مقامه فانصرف حين انصرف وقد آضت الشمس ...".

قال النووي في شرح مسلم 6/ 462:" وفيه استحباب صلاة الكسوف للنساء ، وفيه حضورهن وراء الرجال".



المسألة التاسعة: يشرع التطويل في صلاة الكسوف

بوب البخاري (1/ 356) باب طول السجود في الكسوف ... وقالت عائشة رضي الله عنها ما سجدت سجودا قط كان أطول منها ".

وجاء في صحيح مسلم (3/30ح 2138)": عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَاكَ فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ...".



وفي سنن أبي داود (1/ 378) :" عن جابر قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم سجد سجدتين ثم قام فصنع نحوا من ذلك فكان أربع ركعات وأربع سجدات وساق الحديث . قال الشيخ الألباني : صحيح .

قال ابن عبد البر في التمهيد (22/ 247) مبينا طول صلاته صلى الله عليه وسلم :" قالت عائشة رضي الله عنها (حتى تجلاني الغشي ) فمعناه أنها قامت حتى غشي عليها أو كاد أن يغشى عليها من طول القيام وفي هذا دليل على طول القيام في صلاة الكسوف ".

وقال القرطبي في المفهم (3/439): وقولها:" فجعلت أصب على رأسي ووجهي الماء " هذا كان منها لطول القيام وشدة الحر".

المسألة العاشرة : مشروعية الخطبة في صلاة الكسوف

اختلف العلماء رحمهم الله في خطبة صلاة الكسوف.

فقال الإمام النووي في شرح مسلم 6/454:" اختلف العلماء في الخطبة لصلاة الكسوف فقال الشافعي ، وإسحاق ، وابن جرير ، وفقهاء أصحاب الحديث يستحب بعدها خطبتان ، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يستحب ذلك ، ودليل الشافعي الأحاديث الصحيحة ، في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعد صلاة الكسوف ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مخرجًا فخُسف بالشمس فخرجنا إلى الحجرة فاجتمع إلينا نساءٌ وأقبل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك ضحوةً، فقام قيامًا طويلاً ، ثم ركع ركوعًا طويلاً ، ثم رفع رأسه فقام دون القيام الأول ، ثم ركع دون ركوعه ، ثم سجد ثم قام الثانية ، فصنع مثل ذلك إلا أن قيامه وركوعه دون الركعة الأولى ، ثم سجد وتجلت الشمس فلما انصرف قعد على المنبر فقال فيما يقول: ( إن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال ) وفي رواية: قالت عائشة رضي الله عنها: ( كنا نسمعه بعد ذلك يتعوَّذ من عذاب القبر ) .

وقال الشوكاني في نيل الأوطار 2/ 635: " فيه استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف ".

واختار الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع 5/249 أن صلاة الكسوف يُسًنُّ لها خطبة واحدة، قال: " وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمّا انتهى من صلاة الكسوف قام فحمد الله ، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد ، ثم وعظ الناس ، وهذه الصفات صفات الخطبة ... ".



المسألة الحادية عشرة : خلاصة موعظة النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف

قعد النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سلَّم من صلاة الكسوف على المنبر ، فخطب ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال: أما بعد ، ثم قال: يا أيها الناس إنّما الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك: فاذكروا الله، وكبِّروا ، وأمر بالصدقة ، والعتق ، والاستغفار ، والدعاء وقال: فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة فصلوا حتى ينكشف ما بكم ) ، وقال: ( يا أمة محمد ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا ) وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه رأى الجنة وأراد أن يأخذ منها عنقودًا ولو أخذه لأكلوا منه ما بقيت الدنيا، ورأى النار يحطم بعضها بعضًا، ورأى أكثر أهلها النساء حيث قال إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا لم يا رسول الله قال لكفرهن قيل أيكفرن بالله قال ويكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط ، وأخبر عن فتنة القبر وعذاب القبر ، وأمر بالتعوذ من عذاب القبر ، ورأى امرأة تعذَّب في النار في هرة حبستها، ورأى فيها سارق الحاج صاحب المحجن , ورأى عمرو بن لحي الذي غيَّر دين إبراهيم يجر أمعاءه في النار ، ورأى فيها سارق بدنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: إنه عرض عليّ كل شيء تولجونه ( يعني القبر والجنة والنار ) .

المسألة الثانية عشرة : صفة صلاة الكسوف

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في صفة صلاة الكسوف ، فذهب الحنابلة والشافعية ، والمالكية إلى أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة: قيامان ، وقراءتان ، وركوعان ، وسجودان ، للأحاديث الصحيحة السابقة وهذه هي الصفة لصلاة الكسوف هي المعتمدة وهي الصواب ؛ لأن الأحاديث الصحيحة دلّت عليها .

وذهب أبو حنيفة والثوري والنخعي إلى أن صلاة الكسوف ركعتان ، وحكاه النووي عن الكوفيين إلى أنها ركعتان في كل ركعة ركوع واحد كسائر النوافل ، والأحاديث الصحيحة حجة عليهم.

ولمزيد من التفصيل يراجع [شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 198، والمفهم للقرطبي8/ 25، ونيل الأوطار 3/ 386، وزاد المعاد 1/ 433، والمغني لابن قدامة 2/ 312].



أما ما جاء في الأحاديث الأخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجدتان كما في حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم برقم (904) ، وما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن صفة صلاة الكسوف تصلى ركعتين في كل ركعة أربع ركوعات وسجدتان ، كما في صحيح مسلم ، برقم 908، وما جاء في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن صلاة الكسوف تصلى ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات كما في سنن أبي داود، برقم 1182، وفي مسند الإمام أحمد 5/60-61، وما جاء في حديث عبد الرحمن بن سمرة أن صلاة الكسوف تصلى ركعتين كل ركعة بركوع واحد كما في صحيح مسلم، برقم 913.

فقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال:

قال الصنعاني في سبل السلام3/260:" إذا عرفت هذه الأحاديث فقد يحصل من مجموعها أن صلاة الكسوف ركعتان اتفاقًا إنما اختلف في كمية الركوع في كل ركعة فحصل من مجموع الروايات التي ساقها المصنف أربع صور:

الأولى: ركعتان في كل ركعة ركوعان ، وبهذا أخذ الشافعي ومالك والليث وأحمد وغيرهم ، وعليها دل حديث عائشة وجابر ، وابن عباس ، وابن عمر.

الثانية: ركعتان في كل ركعة أربع ركوعات، وهي التي أفادتها رواية مسلم عن ابن عباس وعلي .

والثالثة: ركعتان أيضًا في كل ركعة ثلاث ركوعات وعليها دل حديث جابر.

والرابعة: ركعتان أيضًا يركع في كل واحدة خمس ركوعات، ولَمّا اختلفت الروايات اختلف العلماء، فالجمهور أخذوا بالأولى.

وقال النووي في شرح مسلم [6/ 453]: " إنه أخذ بكل نوع بعض الصحابة ، وقال جماعة من المحققين: إنه مخير بين الأنواع فأيها فعل فقد أحسن ، وهو مبني على أنه تعدد الكسوف ، وأنه فعل هذا تارة وهذا أخرى".

قال في سبل السلام رادا على النووي: ولكن التحقيق أن كل الروايات حكاية عن واقعة واحدة هي صلاته - صلى الله عليه وسلم - يوم وفاة إبراهيم، ولهذا عوّل الآخرون على إعلال الأحاديث التي حكت الصور الثلاث.



وكذا قال ابن القيم في زاد المعاد1/ 453:" لا يصححون التعدد لذلك كالإمام أحمد والبخاري والشافعي ويرونه غلطًا".

قال في سبل السلام :" وذهبت الحنفية إلى أنها تصلى ركعتين كسائر النوافل ". وحجتهم ما جاء في سنن أبي داود (1/ 380) وضعفه الألباني : عن قبيصة الهلالي قال : كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا يجر ثوبه وأنا معه يومئذ بالمدينة فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام ثم انصرف وانجلت فقال " إنما هذه الآيات يخوف الله عزوجل بها فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة " . وهذا القول مخالف للأحاديث الصحيحة



قال ابن قدامة في المغني3/323:" وجملته أن المستحب في صلاة الكسوف أن يصلي ركعتين ، يحرم بالأولى ، ويستفتح ويستعيذ ، ويقرأ الفاتحة وسورة البقرة ، أو قدرها في الطول ، ثم يركع فيسبح الله تعالى قدر مائة آية ، ثم يرفع فيقول: سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ الفاتحة وآل عمران ، أو قدرها ، ثم يركع بقدر ثلثي ركوعه الأول، ثم يرفع فيسمِّع ويحمد ثم يسجد فيطيل السجود فيهما ، ثم يقوم إلى الركعة الثانية فيقرأ الفاتحة وسورة النساء، ثم يركع فيسبح بقدر ثلثي تسبيحه في الثانية ، ثم يرفع فيقرأ الفاتحة والمائدة ، ثم يركع فيطيل دون الذي قبله ، ثم يرفع فيسمِّع ويحمِّد ، ثم يسجد فيطيل ، فيكون الجميع ركعتين في كل ركعة قيامان ، وقراءتان ، وسجودان ، ويجهر بالقراءة ليلاً كان أو نهارًا ، وليس هذا التقدير في القراءة منقولاً عن أحمد ، لكن قد نقل عنه أن الأولى أطول من الثانية، جاء التقدير في حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام قيامًا طويلاً نحوًا من سورة البقرة، متفق عليه [البخاري، برقم 1052، ومسلم، برقم 907] وفي حديث عائشة حزرت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت أنه قرأ في الركعة الأولى سورة البقرة، وفي الثانية سورة آل عمران، [أبو داود، برقم 1187]".



المسألة الثالثة عشرة : تقرأ سورة الفاتحة في كل قيام

وقال الإمام النووي في [شرح صحيح مسلم 6/ 453] " اتفق العلماء على أنه يقرأ الفاتحة في القيام الأول من كل ركعة واختلفوا في القيام الثاني فمذهبنا ومذهب مالك وجمهور أصحابه أنه لا تصح الصلاة إلا بقراءتها فيه، وقال محمد بن مسلمة من المالكية: لا يقرأ الفاتحة في القيام الثاني، واتفقوا على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى أقصر من القيام الأول والركوع الأول، وكذلك القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الثانية أقصر من الأول منهما، واختلفوا في القيام الأول والركوع الأول من الثانية هل هما أقصر من القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى، ويكون هذا معنى قوله في الحديث: ( وهو دون القيام الأول ) ، ودون الركوع الأول، أم يكونان سواء، ويكون قوله ( دون القيام الأول ) أي أول قيام وأول ركوع ".



رجح ابن حجر في فتح الباري ( 2/ 530) قراءة الفاتحة بعد الرفع من الركوع الأول، ونقل الاتفاق على ذلك إلا خلاف محمد بن مسلمة المالكي؛ قال ابن حجر :" اتفاق العلماء ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه وإن كان محمد بن مسلمة المالكي خالف فيه والجواب أن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة فلا مدخل للقياس فيها بل كل ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعله فيها كان مشروعا لأنها أصل برأسه " .

ويكون القيام الثاني وركوعه وسجوده أقصر من الأول

أخرج أبو داود (1/378) وصححه الألباني عن عائشة: ... ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من الركوع الأول ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك ...".

وابن ماجه (1/ 401) وصححه الألباني :" عن عائشة .... ثم قام فقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى . ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من الركوع الأول . ثم قال ( سمع الله لمن حمده . ربنا ولك الحمد ) ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك ...".

ذكر صاحب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 2/444:" أن كل ركوع وقراءة وسجود وتسبيح واستغفار أقصر من الذي قبله". وهو اختيار ابن قدامة في المغني 3/ 323 .

واستظهره الشيخ ابن عثيمين فقال في الشرح الممتع 5/246: " الذي يظهر والله أعلم أن كل قيام وركوع، وسجود دون الذي قبله".

وذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في آداب المشي إلى الصلاة ( ص 25) أن كل ركعة بركوعين لكن يكون في الثانية دون الأولى.



المسألة الرابعة عشرة : تطويل السجود وتطويل القيام الثاني

أما تطويل السجود فقد قال النووي في شرح صحيح مسلم6/ 199: " اختلفوا في استحباب إطالة السجود، فقال جمهور أصحابنا: لا يطوله بل يقتصر على قدره في سائر الصلوات ، وقال المحققون منهم: يستحب إطالته نحو الركوع الذي قبله ، وهذا هو المنصوص للشافعي وفي البوطي وهو الصحيح للأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك. والأصح استحباب التعوذ في ابتداء الفاتحة في كل قيام ، وقيل: يقتصر عليه في القيام الأول ".



وأما القيام الثاني

فقد اختلفوا هل يطيل الاعتدال الذي يليه السجود وقد وقع هذا التطويل في حديث جابر عند مسلم، برقم 904، ولفظه:"...ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم سجد سجدتين ".



قال النووي 6/ 206:" هذا ظاهره أنه طوَّل الاعتدال الذي يلي السجود ولا ذكر له في باقي الروايات ولا في رواية جابر من جهة غير أبي الزبير ، وقد نقل القاضي إجماع العلماء أنه لا يطوّل الاعتدال الذي يلي السجود ، وحينئذ يجاب عن هذه الرواية بجوابين:

أحدهما أنها شاذة مخالفة لرواية الأكثرين ، فلا يعمل بها.

والثاني أن المراد بالإطالة تنفيس الاعتدال ومده قليلاً وليس المراد إطالته نحو الركوع ".

وقد رد الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري2/539 على الإمام النووي فقال: وتُعقَّب بما رواه النسائي (وصححه الألباني) وابن خزيمة، وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو أيضًا ففيه: " ... ثم ركع فأطال حتى قيل: لا يرفع، ثم رفع فأطال حتى قيل لا يسجد، ثم سجد فأطال حتى قيل: لا يرفع ، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل: لا يسجد، ثم سجد ... " فالحديث صحيح ولم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا ، وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته ، فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام ، وإلا فهو محجوح بهذه الرواية ) .

وفي السنن الكبرى للبيهقي (3/ 324) : "... ثم سجد فأطال حتى قيل : لا يرفع ، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل : لا يسجد ، ثم سجد فأطال السجود ، ثم رفع وفعل فى الأخرى مثل ذلك حتى انجلت الشمس. قال البيهقي:" هذا الراوي حفظ عن عبد الله بن عمرو طول السجود ".

وفي سنن ابن ماجه (1/ 402) وصححه الألباني :" ... ثم سجد فأطال السجود . ثم رفع . ثم سجد فأطال السجود".

وفي صحيح البخاري ( ح821) وهو عند مسلم ( ح 1085) :" عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ كَانَ سُجُودُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكُوعُهُ وَقُعُودُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا ".

أقول ( الحسيني ) : يستفاد من هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أطال السجود والجلوس بين السجدتين.

قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع 5/186: ( والصواب أنه يطيل الجلوس بقدر السجود ) ، وهو الذي اختاره الآمدي ( ويطيل الجلوس بين السجدتين كالركوع ).

المسألة الخامسة عشرة : ابتداء وانتهاء صلاة الكسوف

تبدأ صلاة الكسوف بابتداء الكسوف وتنتهي بانتهائه

روى البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجرُّ رداءه حتى دخل المسجد، فدخلنا فصلى بنا ركعتين حتى انجلت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموها فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ) وفي رواية: ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا يخسفان لموت أحد، وإذا كان ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ) .



وفي صحيح مسلم(2/ 628) عن أبي مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا وادعوا الله حتى يكشف مابكم ؛ ولحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عند البخاري وفيه: (( ... إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجليَ ".



وفي حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم: ( فإذا رأيتم كسوفًا فاذكروا الله حتى ينجليا ). وهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن وقت صلاة الكسوف من حين الكسوف إلى التجلي ، فإن فات لم تُقْضَ ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الانجلاء غاية للصلاة ؛ ولأن الصلاة إنما شرعت رغبة إلى الله في ردها، فإذا حصل ذلك حصل مقصود الصلاة، وإن انجلت وهو في الصلاة أتمها خفيفة، وإن استترت الشمس والقمر بالسحاب وهما مكسوفان صلى؛ لأن الأصل بقاء الكسوف، وإن غابت الشمس كاسفة أو طلعت على القمر وهو خاسف لم يصل؛ لأنه قد ذهب وقت الانتفاع بنورهما، وإن فرغ من الصلاة والكسوف قائم لم يزد صلاة أخرى، وإنما يشتغل بالذكر، والدعاء، والاستغفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد على ركعتين".



قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (4/ 424) :" والمقصود أن تكون الصلاة وقت الكسوف إلى أن يتجلى فإن فرغ من الصلاة قبل التجلي ذكر الله ودعاه إلى أن يتجلى والكسوف يطول زمانه تارة ويقصر أخرى بحسب ما يكسف منها فقد يكسف كلها وقد يكسف نصفها أو ثلثها فإذا عظم الكسوف طول الصلاة حتى يقرأ بالبقرة ونحوها في أول ركعة وبعد الركوع الثاني يقرأ بدون ذلك ".



وفي الكافي في فقه ابن حنبل (1/ 239) :" ووقتها من حين الكسوف إلى حين التجلي فإن فاتت لم تقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم صلوا حتى ينكشف ما بكم وإن تجلت وهو في الصلاة أتمها وخففها وإن سلم قبل انجلائها لم يصل أخرى واشتغل بالذكر والدعاء وإن استترت بغيم صلى لأن الأصل بقاء الكسوف وإن غابت كاسفة فهو كانجلائها لأنه ذهب وقت الانتفاع بنورها فإن طلعت الشمس والقمر خاسف فكذلك لما ذكرنا وإن غاب ليلا وهو كاسف لم يصل كالشمس إذا غابت وقال القاضي يصلي لأن وقت سلطانه باق ".



وفي آداب المشي إلى الصلاة للشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص25):" ووقتها من حين الكسوف إلى التجلي . وهي سنة مؤكدة حضراً وسفراً حتى للنساء ، ويسن ذكر الله والدعاء والاستغفار والعتق والصدقة ولا تعاد إن صليت ولم يتجلّ ، بل يذكرون الله ويستغفرونه حتى يتجلى وينادى لها : "الصلاة جامعة" ويصلي ركعتين يجهر فيهما بالقراءة ويطيل القراءة والركوع والسجود . كل ركعة بركوعين لكن يكون في الثانية دون الأولى ثم يتشهد ويسلم وإن تجلى فيها أتمها خفيفة لقوله : صلى الله عليه وسلم : "فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم" .



وذكر ابن قدامة في المغني (2/ 316) وقت الصلاة فقال:" ووقتها من حين الكسوف إلى حين التجلي، فإن فاتت لم تقض؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه قال: إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة حتى تنجلي» . فجعل الانجلاء غاية للصلاة. ولأن الصلاة إنما سنت رغبة إلى الله في ردها، فإذا حصل ذلك حصل مقصود الصلاة. فإن تمت الصلاة قبل أن تنجلي اشتغل الناس بالذكر والاستغفار والدعاء



جاء في مرعاة المفاتيح للمباركفوري (5/ 163) :" فائدة: إن فرغ من الصلاة قبل انجلاء الشمس أي تمت الصلاة والكسوف قائم لا تعاد الصلاة ولا تكرر، بل يشتغل بالذكر والدعاء حتى تنجلي؛ لأن السنة في صلاة الكسوف قد فرغوا عنها، ولم يزد النبي - صلى الله عليه وسلم - على ركعتين، وهو مذهب المالكية والحنابلة، وكذلك في ظاهر الرواية عند الحنفية، وإن انجلت الشمس كلها في أثناء الصلاة بعد تمام ركعة بركوعيها وسجدتيها أو قبل تمام الركعة الأولى بسجدتيها أتمها على سنتها وخففها ولا ينقص أحد الركوعين اللذين نواهما، وإليه ذهبت الحنابلة والشافعية ".



المسألة السادسة عشرة : فوات صلاة الكسوف

قال في الشرح الممتع (5/ 121) :" ما لا يقضى أصلاً كصلاة الكسوف، فلو لم يعلموا إلا بعد انجلاء الكسوف لم يقضوا، وهكذا نقول: كل صلاة ذات سبب إذا فات سببها لا تقضى ".

صلاة كسوف الشمس تفوت بأمرين:

الأمر الأول: الانجلاء، فإذا انجلت كلها لم يصلِّ.

الأمر الثاني: إذا غابت كاسفة فلا يصلي بعد الغروب



المسألة السابعة عشرة : اجتماع صلاة الكسوف مع صلاة الجنازة

جاء في السيل الجرار (ص305) :" قوله وإذا اتفق صلوات قدم ما خشي فوته ثم الأهم

اقول إن كانت الصلوات متفقة في كونها جميعا واجبة كصلاة جمعة وجنازة أو متفقة في كونها جميعا غير واجبة كصلاة الكسوف والاستسقاء فيقدم ما خشي فوته ثم الأهم أما إذا كان بعضها واجبا وبعضها غير واجب فعليه أن يأتي بالواجب عليه فإن أمكن فعل غير الواجب بعده فعله وإلا فهو معذور عن فعله باشتغاله عنه بما هو واجب عليه لأن من الجائز أن يعرض له ما يمنعه عن فعل الواجب الذي أخره وفعل ما خشي فوته من غير الواجب ".



وفي المغني لابن قدامة (2/ 317) :" فصل: وإذا اجتمع صلاتان، كالكسوف مع غيره من الجمعة، أو العيد، أو صلاة مكتوبة، أو الوتر، بدأ بأخوفهما فوتا، فإن خيف فوتهما بدأ بالصلاة الواجبة، وإن لم يكن فيهما واجبة كالكسوف والوتر أو التراويح، بدأ بآكدهما، كالكسوف والوتر، بدأ بالكسوف؛ لأنه آكد، ولهذا تسن له الجماعة، ولأن الوتر يقضى، وصلاة الكسوف لا تقضى. فإن اجتمعت التراويح والكسوف، فبأيهما يبدأ؟ فيه وجهان. هذا قول أصحابنا.

والصحيح عندي أن الصلوات الواجبة التي تصلى في الجماعة مقدمة على الكسوف بكل حال؛ لأن تقديم الكسوف عليها يفضي إلى المشقة، لإلزام الحاضرين بفعلها مع كونها ليست واجبة عليهم، وانتظارهم للصلاة الواجبة، مع أن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة. وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتخفيف الصلاة الواجبة، كير لا يشق على المأمومين، فإلحاق المشقة بهذه الصلاة الطويلة الشاقة، مع أنها غير واجبة، أولى.

وكذلك الحكم إذا اجتمعت مع التراويح، قدمت التراويح لذلك، وإن اجتمعت مع الوتر في أول وقت الوتر، قدمت لأن الوتر لا يفوت، وإن خيف فوات الوتر قدم؛ لأنه يسير يمكن فعله وإدراك وقت الكسوف، وإن لم يبق إلا قدر الوتر، فلا حاجة بالتلبس بصلاة الكسوف؛ لأنها إنما تقع في وقت النهي. وإن اجتمع الكسوف وصلاة الجنازة، قدمت الجنازة وجها واحدا؛ لأن الميت يخاف عليه، والله أعلم.



المسألة الثامنة عشرة : إدراك صلاة الكسوف

تدرك الركعة من صلاة الكسوف بإدراك الركوع الأول ، فمن أدرك الركوع الأول فقد أدرك الركعة ، ومن لم يدرك إلا الركوع الثاني فلا يعتد بهذه الركعة وعليه أن يقضي كل ركعة فاتته بركوعين ؛ لأن العبادات توقيفية ؛ ولأن الركوع الأول ركن .

قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/ 197) : هل تدرك الركعة بالركوع الثاني؟

الجواب: لا تدرك به الركعة ، وإنما تدرك الركعة بالركوع الأول ، فعلى هذا لو دخل مسبوق مع الإِمام بعد أن رفع رأسه من الركوع الأول فإن هذه الركعة تعتبر قد فاتته فيقضيها ".





المسألة التاسعة عشرة : هل يصلى للآيات الكونية ؛ مثل الزلزلة، والرجفة الشديدة، والريح الشديدة، وبياض الليل ، وسواد النهار، والصواعق المخيفة الشديدة، وكثرة المطر ، وغير ذلك من الآيات المخيفة ؟

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى على ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا يصلّى لأي آية إلا للزلزلة الدائمة وهو مذهب الحنابلة.

قال الإمام ابن قدامة في المغني (2/ 318) :" فصل: قال أصحابنا: يصلي للزلزلة كصلاة الكسوف. نص عليه. وهو مذهب إسحاق، وأبي ثور. قال القاضي: ولا يصلي للرجفة، والريح الشديدة، والظلمة، ونحوها. وقال الآمدي: يصلي لذلك، ولرمي الكواكب والصواعق وكثرة المطر.

وحكاه عن ابن أبي موسى. وقال أصحاب الرأي: الصلاة لسائر الآيات حسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية من آيات الله تعالى يخوف بها عباده، وصلى ابن عباس للزلزلة بالبصرة. رواه سعيد. وقال مالك، والشافعي: لا يصلي لشيء من الآيات سوى الكسوف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل لغيره، وقد كان في عصره بعض هذه الآيات، وكذلك خلفاؤه. ووجه الصلاة للزلزلة فعل ابن عباس، وغيرها لا يصلي له؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل لها، ولا أحد من أصحابه، والله أعلم ".

وقال المرداوي في الإنصاف2/449: قوله: لا يصلي لشيء من الآيات إلا الزلزلة الدائمة: ( هذا المذهب إلا ما استثني، وعليه أكثر الأصحاب بل جماهيرهم ، لِمَا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى للزلزلة ) ، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وعنه يصلي لكل آية ، وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا قول محققي أصحابنا وغيرهم، كما دلت عليه السنن والآثار، ولولا أن ذلك قد يكون سببًا لشر وعذاب لم يصح التخويف به ...)

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى (3/ 343) :" عن علي رضي الله عنه أنه : صلى في زلزلة ست ركعات في أربع سجدات خمس ركعات وسجدتين في ركعة وركعة وسجدتين في ركعة قال الشافعي ولو ثبت هذا الحديث عندنا عن علي رضي الله عنه لقلنا به قال الشيخ ( البيهقي ) رحمه الله هو عن ابن عباس ثابت فعن عبد الله بن الحارث عن بن عباس : أنه صلى في زلزلة بالبصرة فأطال القنوت ثم ركع ثم رفع رأسه فأطال القنوت ثم ركع ثم رفع رأسه فأطال القنوت ثم ركع فسجد ثم قام في الثانية ففعل كذلك فصارت صلاته ست ركعات وأربع سجدات قال قتادة في حديثه هكذا الآيات ثم قال بن عباس هكذا صلاة الآيات ".



القول الثاني: لا يصلّي إلا للكسوف

أخرج البيهقي في السنن الكبرى (3/ 342) عن عمر أنه لم يصل عند شيء من ذلك فقال :" باب لا يصلي جماعة عند شيء من الآيات غير الشمس والقمر واحتج الشافعي في القديم في ذلك بأن زلزلة كانت على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فخطب الناس ولم يذكر أنه صلى ".



لهذا قال ابن قدامه في المغني 2/318:" لا يُصلِّي لشيء من الآيات إلا الكسوف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ لغيره ، ولا خلفاؤه، وقد كان في عصره بعض هذه الآيات ، ولم يصلِّ لها إلا للكسوف، وهذا قول الإمام مالك والشافعي .

القول الثالث: يصلِّي لكل آية تخويف

قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (5/ 194) :" واستدلوا بما يلي:

1 ـ عموم العلة وهي قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنهما آيتان من آيات الله يخوِّف الله بهما عباده»، قالوا: فكل آية يكون فيها التخويف، فإنه يصلى لها.

2 ـ أن الكربة التي تحصل في بعض الآيات أشد من الكربة التي تحصل في الكسوف.

3 ـ أن ما يروى عن ابن عباس وعلي ـ رضي الله عنهم ـ يدل على أنه لا يقتصر في ذلك على الكسوف وأن كل شيء فيه التخويف فإنه يصلى له.

4 ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» ، أي: إذا كربه وأهمه؛ وإن كان الحديث ضعيفاً لكنه مقتضى قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [البقرة: 45].

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية من آيات الله يخوِّف بها عباده؛ ولأن ابن عباس صلى للزلزلة بالبصرة ؛ ولِمَا روي عن علي - رضي الله عنه - ولِمَا ورد عن حذيفة - رضي الله عنه - أنه صلى بأصحابه بالمدائن مثل صلاة ابن عباس في الآيات .

وهذا المذهب اختاره شيخ الإسلام ورجحه ابن عثيمين

قال ابن عثيمين رحمه الله الشرح الممتع (5/ 195) :" وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ له قوة عظيمة. وهذا هو الراجح ".



قال ابن رجب فتح الباري (6/ 326) :" وحكى بعض أصحاب الشافعي قولا له : أنه يصلى للزلزلة ومنهم من حكاه في جميع الآيات . وحكى ابن عبد البر ، عن أحمد وإسحاق وأبي ثور : الصلاة للزلزلة والطامة والريح الشديدة وهذا يدل على استحبابها لكل آية ،كالظلمة في النهار ، والضياء المشبه للنهار بالليل ، سواء كان في السماء أو انتثار الكواكب ".



وبوب أبو داود باب السجود عند الآيات وأخرج حديث ابن عباس (ح1197 (1/ 383).



وأخرجه الترمذي (5/ 707) :" عن عكرمة قال : قيل لابن عباس بعد صلاة الصبح ماتت فلانة لبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فسجد فقيل له أتسجد هذه الساعة ؟ فقال أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأيتم آية فاسجدوا فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ".



قال العيني في شرح أبي داود (5/ 53) :" قوله: " إذا رأيتم آية " أي: علامة، وهي بإطلاقها سائر الآيات المخوفة، مثل الريح الشديدة، والظلمة الشديدة، والزلزلة، والسيل العظيم، والنار العظيمة، ونحو ذلك، ويندرجُ تحت فعل ابن عباس - رضي الله عنه- جواز السجدة عند موت عالم كبير مقتدى، أو سلطان عادل , لأن موت مثل هؤلاء من الآيات ".

لكن الشيخ ابن باز رحمه الله ردّ فعل ابن عباس فقال في مجموع فتاوى ابن باز (13/ 45): حكم صلاة الكسوف عند الزلازل ونحوها.

س: هل تشرع صلاة الكسوف عند رؤية الآيات كالزلازل والصواعق والعواصف الشديدة وبياض الليل وسواد النهار والبراكين ونحوها؟ .

ج: لا أعلم دليلا يعتمد عليه في شرعية الصلاة للزلازل ونحوها، وإنما جاءت السنة الصحيحة بالصلاة والذكر والدعاء والصدقة حين الكسوف، وذهب بعض أهل العلم إلى شرعية صلاة الكسوف للزلزلة، ولا أعلم نصا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وإنما ذلك مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد علم بالأدلة الشرعية أن العبادات توقيفية لا يشرع منها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة الصحيحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها ".

المسألة العشرون: وتشرع صلاة الكسوف بالسفر أيضا

قال ابن قدامة في المغني3/322:" وتشرع في الحضر والسفر، بإذن الإمام وغير إذنه ".



المسألة الحادية والعشرون: من آداب صلاة الكسوف

من الآداب الخوف من الله تعالى عند كسوف الشمس أو القمر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري ، برقم 1048 عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله يخوِّف بهما عباده ؛ ولحديث أبي بردة عن أبي موسى قال: خسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فَزِعًا يخشى أن تكون الساعة ، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام ، وركوع ، وسجود رأيته قط يفعله ، وقال: هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته ، ولكن يخوِّف الله بها عباده ، فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه ، واستغفاره . وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته بعض المعاصي الكبار مما يدلل على أنه ينبغي للعبد أن يعجل بالتوبة والاستغفار والصلاة وغيرها من فعل الخيرات لدفع موجب غضب الرب جل وعلا .

قال ابن حجر في فتح الباري2/546:" فلعله صلى الله عليه وسلم خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط: كطلوع الشمس من مغربها ، ولا يستحيل أن يتخلل بين الطلوع والطلوع المذكور أشياء مما ذكر ، وتقع متتالية بعضها إثر بعض ، مع استحضار قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ }.

وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (4/ 424):" وهذا بيان منه صلى الله عليه وسلم أنهما سبب لنزول عذاب بالناس فإن الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه وعصوا رسله وإنما يخاف الناس مما يضرهم فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفا قال تعالى : { وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا } .

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بما يزيل الخوف : أمر بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق حتى يكشف ما بالناس وصلى بالمسلمين في الكسوف صلاة طويلة ".



وبوب البخاري " باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يُخَوِّفُ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ" .



ولشدة خوف النبي - صلى الله عليه وسلم - من الله - عز وجل - بكى في سجود صلاة الكسوف فينبغي الاقتداء به عليه الصلاة والسلام.



وبوب البخاري بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ الْبُصَاقِ وَالنَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَفَخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُجُودِهِ فِي كُسُوفٍ



قال في فتح الباري (3/ 84) :" ذكره البخاري بصيغة التمريض لأن عطاء بن السائب مختلف في الاحتجاج به وقد اختلط في آخر عمره لكن أخرجه بن خزيمة من رواية سفيان الثوري عنه وهو ممن سمع منه قبل اختلاطه وأبوه وثقه العجلي وبن حبان وليس هو من شرط البخاري ".

والحديث الذي علقه البخاري أخرجه النسائي (3/ 149) وصححه الألباني :" عن عبد الله بن عمرو قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع فأطال قال شعبة وأحسبه قال في السجود نحو ذلك وجعل يبكي في سجوده وينفخ ويقول رب لم تعدني هذا وأنا أستغفرك لم تعدني هذا وأنا فيهم (( وفي رواية عند النسائي (3/ 137) فجعل ينفخ في آخر سجوده من الركعة الثانية ويبكي )) فلما صلى قال عرضت علي الجنة حتى لو مددت يدي تناولت من قطوفها وعرضت علي النار فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرها ورأيت فيها سارق بدنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت فيها أخا بني دعدع سارق الحجيج فإذا فطن له قال هذا عمل المحجن ورأيت فيها امرأة طويلة سوداء تعذب في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت وإن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا انكسفت إحداهما أو قال فعل أحدهما شيئا من ذلك فاسعوا إلى ذكر الله عز و جل ".



وقد وصف ابن القيم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال في زاد المعاد (1/ 175) :" وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فكان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا ويسمع لصدره أزيز وكان بكاؤه تارة رحمة للميت وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها وتارة من خشية الله وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية ولما مات ابنه ابراهيم دمعت عيناه وبكى رحمة له وقال:" تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون" وبكى لما شاهد إحدى بناته ونفسها تفيض وبكي لما قرأ عليه ابن مسعود سورة ( النساء ) وانتهى فيها إلى قوله تعالى: { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } وبكى لما مات عثمان بن مظعون وبكى لما كسفت الشمس وصلى صلاة الكسوف وجعل يبكي في صلاته وجعل ينفخ ويقول : [ رب ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون ونحن نستغفرك ] وبكى لما جلس على قبر إحدى بناته وكان يبكي أحيانا في صلاة الليل".



المسألة الثانية والعشرون : فوائد الكسوف

ذكر ابن الجوزي فوائد آية الكسوف في كتابه كشف المشكل من حديث الصحيحين (1/ 406) فقال :" فيه سبع فوائد:

أحدها: ظهور التصرف في الشمس والقمر.

والثانية: أن يتبين عند شينها قبح شأن من يعبدها.

والثالثة: أن تنزعج القلوب المساكنة للغفلة عن مسكن الذهول؛ فإن المواعظ تزعج القلب الغافل.

والرابعة: ليرى الناس أنموذج ما سيجري في القيامة من قوله تعالى: {وخسف القمر وجمع الشمس والقمر} .

والخامسة: أنهما يؤخذان على حال التمام فيوكسان ثم يلطف بها فيعادان إلى ما كانا عليه ، فيشار بذلك إلى خوف المكر ورجاء العفو.

والسادسة: أن يفعل بهما صورة عقاب من لا ذنب له ليحذر ذو الذنب.

والسابعة: أن الصلوات المفروضات عند كثير من الخلف عادة لا انزعاج لهم فيها ولا وجود هيبة، فأتى بهذه الآية وسنت لها الصلاة ليفعلوا صلاة على انزعاج وهيبة.



وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

:: رسالة الكفر بالطاغوت :: للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تأمل رحمك الله وجعلك الله من أهل التوحيد الخلص

ثمار التوحيد في ضوء الكتاب والسنة

اقوال وحكم...