قال الإمام ابن القيّم : حقيق على كل عبد أن يستمع قلبه لهذا المثل ويتدبره حق تدبره فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه

قال الله تعالى : { يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } [سورة الحج : آية 73 ] .
حقيق على كل عبد أن يستمع قلبه لهذا المثل ، ويتدبره حق تدبره ؛ فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه ، وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده وإعدام ما يضره. والآلهة التي يعبدها المشركون من دون اللّه لن تقدر على خلق الذباب ، ولو اجتمعوا كلهم لخلقه ، فكيف بما هو أكبر منه ، بل لا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئا مَحَا عليهم من طيب ونحوه ، فيستنقذوه منه ؛ فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوانات ، ولا على الانتصار منه ، واسترجاع ما سلبهم إياه ؛ فلا أعجز من هذه الآلهة ، ولا أضعف منها ؛ فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون اللّه ؟ .
وهذا المثل من أبلغ ما أنزله اللّه سبحانه في بطلان الشرك ، وتجهيل أهله ، وتقبيح عقولهم ، والشهادة على أن الشيطان قد تلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكرة ، حيث أعطوا الآلهة التي من بعض لوازمها القدرة على جميع المقدورات ، والإحاطة بجميع المعلومات ، والغني عن جميع المخلوقات ، وأن يصمد إلى الرب في جميع الحاجات ، وتفريج الكربات ، وإغاثة اللهفات ، وإجابة الدعوات - فأعطوها الصور وتماثيل يمتنع عليها القدرة على أقل مخلوقات الإلة الحق ، وأذلها وأصغرها وأحقرها ، ولو اجتمعوا لذلك وتعاونوا عليه .
وأدل من ذلك على عجزهم وانتفاء آلهتهم : أن هذا الخلق الأقل الأذل والعاجز الضعيف لو اختطف منهم شيئا واستلبه فاجتمعوا على أن يستنقذوه منه لعجزوا عن ذلك ولم يقدروا عليه .
ثم سوى بين العابد والمعبود في الضعف والعجز بقوله : { ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } ، قيل : الطالب والعابد ، والمطلوب : المعبود ، فهو عاجز متعلق بعاجز .
وقيل : هو تسوية بين السالب والمسلوب منه وهو تسوية بين الإله والذباب في الضعف والعجز ، وعلى هذا فقيل : الطالب الإله الباطل ، والمطلوب الذباب يطلب منه ، ما استلبه منه .
وقيل : الطالب الذباب ، والمطلوب الإله فالذباب يطلب منه ما يأخذه مما عليه ، والصحيح : أن اللفظ يتناول الجميع ، فضعف العابد والمعبود والمستسلب ؛ فمن جعل هذا إلها مع القوي العزيز ، فما قدر اللّه حق قدره ، ولا عرفه حق معرفته ولا عظمه حق تعظمه .
ــــــــــــــــــــ
|| تفسير القرآن الكريم ||
للإمام / ابن قيّم الجوزيّة - رحمه الله تعالى وجعل درجته في عليّين - .
 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

:: رسالة الكفر بالطاغوت :: للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تأمل رحمك الله وجعلك الله من أهل التوحيد الخلص

ثمار التوحيد في ضوء الكتاب والسنة

اقوال وحكم...