..:: وقفة صادقة :: [ مع حديث وشرحه وتعليق عليه ] ::..
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحديث
أخرج الإمام أحمد والإمام النسائي والحاكم وابن أبي عاصم - رحمهم الله - من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قوله - صلى الله عليه وآله سلم - : " اللهم بعلمك الغيب وقدرتك عَلَى الخلق ، أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة ، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى ، وأسألك القصد في الغنى والفقر ، وأسألك نعيماً لا ينفد ، وقرة عين لا تنقطع ، وأسألك الرضى بعد القضاء ، وأسألك برد العيش بعد الموت ، وأسألك لذة النظر إِلَى وجهك الكريم ، والشوق إِلَى لقائك في غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهتدين " .
الشرح
قال العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابه ( إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ) : " فجمع هذا الدعاء العظيم القدر بين أطيب شئ في الدنيا ، و هو الشوق إلى لقاءه سبحانه ، و أطيب شئ في الآخرة و هو النظر إلى وجهه سبحانه ؛ و لما كان تمام ذلك و تمامه موقوفا على عدم ما يضر في الدنيا ، و يفتن في الآخرة قال : " في غير ضراء مضرة ، ولا فتنة مضلة " ولما كان كمال العبد في أن يكون عالما بالحق ، متبعا له ، معلما لغيره ، مرشدا لغيره ، قال : " واجعلنا هداه مهتدين " ؛ و لما كان الرضى المحصل للمقصود هو الرضى بعد وقوع القضاء لا قبله ، فان ذلك من عزم الرضى ، فإذا و قع القضاء ، انفسخ ذلك العزم سأل الرضى بعده ، فان المقدور يكتنفه أمران : الاستخارة قبل وقوعه ، و الرضى بعد وقوعه ، فمن سعادة العبد أن يجمع بينهما ، كما جاء في السند أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن سعادة ابن ادم استخارة الله و رضاه بما قضى الله ، أن شقاوة ابن ادم ترك الاستخارة ، وسخطه بما قضى الله تعالى ) ؛ و لما كانت خشية الله - عز و جل - رأس كل خير في المشهد ، و المغيب ، سأله خشيته في الغيب و الشهادة ؛ و لما كان أكثر الناس إنما يتكلم بالحق في رضاه ، فإذا غضب أخرجه غضبه إلى الباطل ، و قد يدخله أيضا رضاه في الباطل ، سأل الله - عز و جل - أن يوفقه لكلمة الحق في الغضب و الرضى ، و لهذا قال بعض السلف : " لا تكن ممن إذا رضى ادخله رضاه في الباطل ، وإذا غضب أخرجه غضبه من الحق " ؛ و لما كان الفقر و الغنى بليتين و محنتين ، يبتلي الله بهما عبده ، ففي الغنى يبسط يده و في الفقر يقبضهما ، سأل الله القصد في الحالتين ، و لما كان النعيم نوعين : نوعا للبدن ، ونوعا للقلب ، و هو قرة العين ، و كماله بدوامه و استمراره ، جمع بينهما في قوله ( أسالك نعيما لا ينفد ، وأسألك قرة عين لا تنقطع ) ؛ و لما كانت الزينة زينتين : زينة البدن ، و زينة القلب أعظمهما قدرا و اجلهما خطرا ، و إذا حصلت زينة البدن على أكمل وجه في العقبى ، سأل ربه الزينة الباطنه فقال : ( زينا بزينة الإيمان ) ؛ و لما كان العيش في الدار لا يبرد لأحد كائنا من كان ، بل هو محشو بالغصص و النكد و محفوف بالآلام الباطنة و الظاهرة سأل : ( برد العيش بعد الموت ) .
اهـ .
التعليق
التفريغ : [ إذا هذه الدنيا يا جماعة ، هل هذه الدنيا هل هي دار طمأنينة ؟ دار راحة ؟ دار هناء ؟ أبداً والله ، دار النغص والنكد والجهاد والإبتلاء ؛ ولو كانت الدنيا هذه تسوى عند الله - عز وجل - شيئاً ما أعطاها لكافر ، وما سقاه منها شربة ماء ، بس ما تسوى شيء ، وما تسوى عند الله جناح بعوضة ، ولو هذه الدنيا تسوى شيء عند الله لأعطاها الأنبياء ، لأعطاها الأنبياء، ولكن الأنبياء ابتلوا فيها ، وكانوا أشد الناس بلاءً وفتنة ومحنة ، شوف النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف ابتلي ، مع ذلك صبر حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى .
" وهناك برد العيش " حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُخبر أنه ما من نبيٍ يحضره أجله إلا خُيّر ؛ يعني يُخير بين البقاء في الدنيا وبين الإنتقال إلى الله - سبحانه وتعالى - ؛ فلما حضرته الوفاة - عليه الصلاة والسلام - أخذ يقول : " بل الرفيق الأعلى ، بل الرفيق الأعلى " . تقول عائشة : " فعلمت أنه لا يختارنا " .
لأن عائشة كانت تسمع منه مسألة التخيير هذه ، فلما سمعته عند احتضاره - عليه الصلاة والسلام - يقول : " بل الرفيق الأعلى ، بل الرفيق الأعلى " ، تقول : " علمت أنه لا يختارنا ، بل اختار الرفيق الأعلى " ، اختار جوار الله - سبحانه وتعالى -عن هذه الدنيا وما فيها من النغص والنكد ، والله المستعان .
ولذلك قال هنا " أسألك برد العيش بعد الموت " ، برد العيش بعد الموت ، لو أن الإنسان فكر في هذا ما اهتم لهذه الدنيا وما جمع لها ، ماجمع فيها ولا اهتم لها ، ولكننا يا إخواننا نحن نجمع ونسعى ونكد ونتعب ونصنع ونعمل وكأننا خالدون في الدنيا مخلدون فيها ، كأننا مخلدون في الدنيا نبقى فيها إلى الأبد ! ما نبقى والله ! .
سوف نموت ، وننتقل إلى الدار الآخرة ، ننتقل إلى الله - سبحانه وتعالى - ، كما مات غيرنا من الناس ، أجيال ذهبت ، أمم انتقلت إلى الله - سبحانه وتعالى - ؛ من نحن ؟ وكم نعيش ؟ ما هي أعمارنا في هذه الدنيا ؟ رحمة الله على أبي الحسن التهامي لما يقول : " قضوا مآربكم سراعاً إنما .... أعماركم سفر من الأسفار " ، أعماركم سفر والله ، عمر الواحد منا سفر من الأسفار ، والله المستعان .
إذاً برد العيش بعد الموت وليس قبله ، قبله ما فيه برد عيش ، يقول - رحمه الله - [ قلت ضياء : يريد الشيخ هنا العلامة ابن القيم - رحمه الله - ] : " ولما كان العيش في هذه الدار لا يبرد لأحد كائناً من كان ، حتى ولو كان نبياً مايبرد ، بل هو محشوٌ بالغصص والنكد ، ومحفوٌ بالآلام الباطنة والظاهرة سأل برد العيش بعد الموت " ] .
والله المستعان ..
كان هذا المقطع من درس له - حفظه الله - في التعليق على كتاب إغاثة اللهفان للعلامة ابن قيم الجوزية - رحمه الله -
كان هذا المقطع من درس له - حفظه الله - في التعليق على كتاب إغاثة اللهفان للعلامة ابن قيم الجوزية - رحمه الله -