العقيدة أولاً
لفضيلة الدكتور الشيخ العلامة:
محمد أمان بن علي الجامي -رحمه الله تعالى-

1349 هـ ـ 1416هـ
عميد كلية الحديث الشريف ورئيس شعبة العقيدة بالدراسات العليا
بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سابقا

تفريغ: محمد مصطفى الشامي
فلسطين- 1427هـ الحمد الله رب العالمين وصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته على رسوله الأمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمهات المؤمنين وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
أيها الإخوة الحضور لعلكم قرأتم العنوان عنوان الحديث معكم في هذه الليلة المباركة إن شاء الله:
هذا هو عنوان الحديث، اخترتُ هذا العنوان نظراً لِقِلة الحديث حول العقيدة، المشاكل التي يعيشها المجتمع الإسلامي كثيرة والحديث عنها كثيرٌ أيضاً، نسمع في الاذاعة ونقرأ في الصحف، الكلام حول المشاكل المتنوعة التي يعيشها المجتمع بصفة عامة والشباب بصفة خاصة، مشاكل الربا ومشاكل التهاون بالأمر والنهي عن المنكر ومشاكل علاقة الجار بالجار ومشاكل تربية الشباب، مشاكل كثيرة والكلام حولها كثير؛ ولكن العقيدة وبيانها وتحقيقها والدعوة إليها يقل الكلام حول هذا الموضوع مع أهميته ومع العلم أنه هو الأصل قبل جميع المشاكل التي أشرنا إليها، هذا هو الذي جعلني اخترت هذا العنوان لحديثي معكم.
العقيدة في اللغة هذه اللفظة لها عدة معانٍ، من عقد يعقد من ذلك عقد النكاح وعقد (...) وعقد العهود وعقد الحبال في الأمور الحسية ومنها عقد البيوع، العقد يستعمل في الأمور الحسية والأمور المعنوية بمعنى الربط والشد ويؤخذ مِنْ هذا المعنى الاصطلاحي وانطلاقاً من هذا المعنى اللغوي العقيدة معناها عقد القلب والتصميم الصادق الذي لا يخالطه شك في المطالب الإلهية أن يعقد الإنسان ويعزم عزماً لا يتردد فيه فيما يتعلق بالمطالب التي بينه وبين ربه سبحانه وتعالى، المراد بالمطالب الإلهية: توحيد العلم والمعرفة ويشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد القصد والطلب وهو توحيد العبادة والنبوات وأمور المعاد كالبعث بعد الموت وما يترتب على ذلك وما يتبع ذلك، والعقيدة في أفعال العباد والعقيدة في تعريف وتحقيق الإيمان والعقيدة في الجنة والنار كل هذه عقائد لا يستغني عنها مَرءٌ بحياته، ولو استغنى عن أمور أخرى؛ ولكن لا غنى له ليصبح – مسلم- مؤمن يؤمن بربه سبحانه وتعالى لابد له من هذه العقيدة.
أما توحيد الله تعالى في ربوبيته فأمر لا إشكال فيه يستوي فيه المؤمن والكافر:) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ..( (لقمان: 25) حتى الكفار الذين استحل النبي صلى الله عليه وسلم دمائهم وأموالهم، يؤمنون بأن الله وحده خالق السماوات والأرض مدبر الأمر من السماء إلى الأرض، خالق الكون والمتصرف في هذا الكون، هذا المقدار يشترك فيه الكافر والمؤمن من التوحيد ومن العقيدة.
وأما توحيد الأسماء والصفات أي نثبت لله تعالى ما اثبت لنفسه من صفات الكمال وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال، فهذا النوع أيضاً لَمْ يقعْ فيه نزاع لأن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ القرآن على قومه فسمعوه ولم يعترضوا على سَمَعِ الله وبصره وعلى قدرة الله وإرادته وعلى أنه سبحانه وتعالى يأتي يوم القيامة لفصل القضاء كما يليق به وعلى أنه مستوٍ على عرشه كما يليق بجلاله - كما أخبر عن نفسه- وأنه عليم حكيم لم يعترضوا عندما سمعوا القرآن من رسول الله عليه الصلاة والسلام، بمعنى إنهم مُسَلِّمُون له كما سلموا بتوحيد الربوبية.
ولكن النوع الذي وقعت فيه الخصومة والعداوة الشديدة بين النبي صلى الله عليه وسلم وقومه وبين جميع الأنبياء وأقوامهم وبين المصلحين وأممهم، ولا تزال تقع الخصومة والخلاف في ذلك وهو توحيد القصد والطلب أي توحيد العبادة أي إفراد الله تعالى بالعبادة وتَصَوُّرُ معنى العبادة وتَصَوُّر معنى الشرك وتَصَوُّر معنى إفراد الله تعالى بالعبادة، هذا النوع لم يزل - وفيما اعتقد- لا يزال محل إشكالٍ دائماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر "أنه لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان" أي جماعات من أمتي الأوثان، الأوثان جمع وثن والوثن كل ما يعبد من دون الله.
المشكلة التي نعانيها مع مجتمعنا المجتمع الإسلامي -اقصد بصفة عامة - تصور معنى العبادة، إن كثيرا من الناس يتصورون أن العبادة هي الصلاة والزكاة والصيام والحج، إذا أدى هذه الأركان كما يؤديها غيره ولو على طريقة تقليدية رأى نفسه أنه عَبَدَ الله وأدى ما عليه من العبادة ولا يبالي بعد ذلك، كونه إذا اشتدت به الأمور يستغيث بغير الله يجأر باسم غير الله ويتقرب بالقربات والنذور إلى غير الله ويلجأ إلى غير الله ويتوكل على غير الله ويرى أن كل ذلك لا يضر إيمانه، علماً بأن هذا هو صميم العقيدة وصميم الإيمان وأن هذه الأمور محض العبادة حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة)، (الدعاء مخ العبادة)([1]).
كَوْنَ المرء عند الشدة ينسى ربه ويقول:"يا سيدي فلان خُذْ بيدي وأغثني"، ويجعل النذور في أمواله ليحفظ الصالحون أمواله "حوشه ونخله" ويتقرب بالذبائح إلى ضريح السيد فلان والشريف فلان والصالح فلان، هذه هي العبادات التي كان يقدمها المشركون لألهتهم لِلَّاتْ والعُزَّى ومُناة وهُبَل، تلك الآلهة ما كانت الأقوام تسجد لها أو تركع لها؛ ولكنهم إذا أرادوا أن يسافروا ذهب كل قوم إلى آلهتهم أو إلههم وتَمْتَمَ عنده وشكر إليه وودعه وطلب منه أن يحفظه في سفره ويحفظه في أهل ونفسه، وكفار قريش كانوا يعتزون بعزى لذلك قال أبو سفيان - قبل أن يكرمه الله بالإسلام والصحبة- يوم أُحُدْ كانوا يقول:" لنا العزى ولا عزى لكم" أي يعتز بعزى، إلههم، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام:"رُدُّوا عليه فقولوا: الله مولانا ولا مولى لكم"، هذا الاعتزاز، ماذا يفعلون عند عزى؟؟ هل سمعتم أنهم يركعون لعزى و يسجدون لها؟؟، جنية شيطانية كانت في غابة أو في فناء، كل العبادات التي يقدمون لها الطواف لها والخضوع عندها والشكوى إليها واعتقاد أنها تنفعهم عند الله ولكنها لا تخلق ولا ترزق، وهذا المعنى هو الذي يفعله عوام المسلمين عند كثير من الأضرحة اليوم؛ ولكن لا يسمون عبادة ولا يسمون الأضرحة والمشاهد والقبور آلهة، بل يسمون"قبور الصالحين" وما يفعلون يسمون "توسلا ومحبة الصالحين" أي غيروا الأسماء.
تغيير الأسماء لا يغير الحقائق لو أن إنسانا شرب كأسا من الخمر فسماها لبناً أو ماءاً بارداً، هل يتغير الحكم؟؟ "لا يتغير"، إذن تقديم هذه القربات للأضرحة والمشاهد ثم تسميتها "محبة الصالحين" "والتوسل بالصالحين" لا يغير الحقائق أبداً إنما هي عبادات تقدم لغير الله تعالى، هذه الحقيقة وإنْ كان لا يجهلها سكان هذه الأرض وسكان هذا البلد وشباب هذا البلد؛ ولكن الزوار ومَنْ في معناهم الذين وفدوا إلى هذه البلاد لهم علينا حق لِنُبَيِّنَ لهم أن ما يجري هناك وما يفعله عوام المسلمين فِي كثيرٍ مِن الأقطار عبادات صُرِفَتْ لغير الله وأن ذلك من الشرك لأن النبيصلى الله عليه وسلم يقول:(الدين النصيحة)، مِنَ النصيحة للمسلمين عامة ونحن نعيش في الحرمين الشريفين وقد انفتحنا على العالم والعالم وَفَدَتْ وهؤلاء الوفود الذين جاؤوا طلباً للرزق والمعيشة حيث يأمنون على أنفسهم وأموالهم، هؤلاء يجهلون كثيرا ًوكثيراً فِي أصول الدين، في العقيدة، في العبادة، والواجب البيان لهم وتوضيح الحقائق لهم لنكون بذلك أديْنَا ما علينا مِنْ واجبِ النصح للمسلمين.
إذاً العقيدة أولاً وقبل كل شيء، وكل شيء بَعْدَ العقيدة، خصوصا ما يتعلق بتوحيد العبادة.
هنا أيضاً عقيدة يجهلها كثير من الناس وهي عقيدة الإرجاء، كأنْ يعتقد كثير من عوام المسلمين يكفي للإيمان أن يقول المرءُ:"لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله أو أن يزعم أنه مصدق بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يضره بعد ذلك أن يترك الصلاة والصيام وجميع الواجبات وأن يرتكب جميع الموبقات والمعاصي، لا يضره ذلك لأن الإيمان في القلب؛ لأن المؤمن من يقول:" لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله"وكفى.. هذا التصور خطأ، بل الإيمان حقيقة مركبة من "القولِ باللسان والعمل بالأركان والاعتقاد بالقلب"، مَنْ زعم أنه مؤمن لأنه مصدق بكل ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام وأنه متلفظ بـ"لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله" ثم رأيناه لا يلتزم، لا في المأمورات ولا في المنهيات، هذا ناقص الإيمان، ذهب ثلث إيمانه.
الإيمان يتألف من: "القول باللسان" أي التلفظ بالشهادتين و"التصديق بالجنان" أي القلب و"العمل بالأركان" التصديق الذي في القلب، ما الذي أعلمنا بأنه صادق؟؟، التصديق.. بالقلب يحتاج إلى شاهد وإلى ما يصدقك فِي اعتقادك وفي صحة اعتقادك، ما هو؟؟ التلفظ باللسان قد يقع من المنافق، قد كان المنافقون في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام يقولون:" لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله" ويصلون خلف رسول الله عليه الصلاة والسلام لذلك لم يرَ النبي عليه الصلاة والسلام أن يقتلهم لأنهم في الظاهر مع الصحابة، لئلا يُقال إن محمدا يقتل أصحابه، والناس لا يعلمون إلا هذا الظاهر ولكنهم المنافقون كفار في قلوبهم وهم في الدرك الأسفل من النار، إذن التلفظ وحده ودعوى التصديق، إن لم يكن ما يصدق ذلك التصديق لا يُقْبَلْ، ما الذي يصدق التصديق؟؟ "الأعمال"
وإذا حلّت الهداية قلباً ‍


نشطت في العبادة الأعضاء



من رأيته نشيطاً في العمل بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، حريصا على أداء الفرائض والإكثار من النوافل، حريصا على اجتناب المحرمات وعلى أداء الأمانات، دلَّ ذلك على عمران قلبه وأن التصديق الذي في قلبه صادق، ذلك التصديق الصادق الذي في قلبه هو الذي بعثه على العمل، وإذا رأيت إنسانا فاتراً كسولا معرضا يقول: "لا إله إلا الله " ويدعي التصديق؛ لكن لا عمل لا امتثال ولا اجتناب بارد كسول معرض غير مبالٍ وغير متأثر بالمواعظ والتذكير، مَيـِّتُ القلب، هذا لديه إيمانٌ يحفظ ماله ودمه فقط، ليس لديه ذلك الإيمان الذي يُمْدح به ويُشْكر عليه عند الله؛ لأن الله من أسمائه الشكور يقبل القليل ويعطي الكثير.
إذن الإيمان حقيقة مركبة من هذه الأشياء المذكورة والطريق إلى الإيمان سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي لا تستطيع أن تعرف الطريق إلى الإيمان إلا بإتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام تحتاج إلى دراسة - العلم قبل القول والعمل- لا يأتي العلم بدون طلب كما لا يأتي الولد بدون الزواج، لابد من أسباب، إذاً لابد من تعلم ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام لِتعرف الطريق إلى الإيمان بالله وإلى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإيمان بكتاب الله وإلى الإيمان باليوم الآخر والعمل لذلك.
وأما الاكتفاء بالإيمان التقليدي هذا أمر لا يجدي أبدا واعتقاد كثيرٍ مِن الناس أن الأعمال ليست من الإيمان يسمى عند أهل العلم عقيدة الإرجاء.. الإرجاء معناه التأخير، تأخير الأعمال من مسمى الإيمان وإخراجها من الدين وأنها مِنَ الأمور الثانوية هذا خطأ، إذا كان الأمر كذلك قد فتحنا الباب للحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كيف تعاتبهم وتقول لهم:)وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ( (المائدة: 44 ) أي كيف تطبق عليهم هذه الآية؟ الله سماهم كفارا وفساقا وظالمين؛ لكنهم يقولون:"لا إله إلا الله محمد رسول الله" ويدَّعون تصديق ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا كنتَ مقتنعاً بأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان وأنه يكفي للإيمان التلفظ أو التصديق أو هما معا،ً لا سبيل لك أبداً لِتَحْكُمَ على الذين يَحْكُمون بغير ما أنزل الله وعلى الذين يستبيحون الربا وعلى الذين يستبيحون الخمور وغير ذلك، لا سبيل لك لتلومهم ولتحكم عليهم بالكفر والفسوق والظلم؛ لأنك وافقت معهم على الإرجاء.
هذه عقيدة الإرجاء يقع فيها كثير من الناس من حيث لا يشعرون وعقيدة الإرجاء منتشرة حيث تنتشر الأشعرية والماتريدية، لأن الأشاعرة والماتريدية كلهم من المرجئين وهذا الإرجاء منتشر بين عوام المسلمين من حيث لا يشعرون ذلك أنك تعاتب شخصا يترك الصلاة مثلاً أو يتعاطى بعض المحرمات فيقول:"دعني الإيمان هاهنا، الإيمان في القلب" طالما الإيمان في القلب لا يضره أن يترك الصلاة وأن يترك جميع الواجبات وأن يرتكب جميع المحرمات طالما الإيمان في قلبه - في زعمه- هذه هي عقيدة الإرجاء وإن كان القوم القائلين بهذا الإرجاء لا يعلمون معنى الإرجاء ولكن توارثوا هذه العقيدة مع الناس مع أهل الكلام، سَرَتْ إليهم هذه العقيدة - عقيدة الإرجاء - لذلك هي عقيدة خطيرة تُخْرِجُ الأعمال من مسمى الإيمان وتهوِّن على الناس ترك الواجبات وارتكاب الكبائر والمحرمات، لذلك يجب على طلاب العلم تنبيه الناس إلى هذا المعنى وان الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
لك أن تقول:"أين الدليل في أن الأعمال داخلة تحت مسمى الإرجاء؟ ، لقد تكلمت كثيراً فأين الدليل ؟؟ الدليل بل هناك أدلة من الأدلة:
من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها لا إله ألا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) جعل النبي صلى الله عليه وسلم"لا إله إلا الله" أعلى شعبة من شُعَبِ الإيمان، القول باللسان زائد على التصديق، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وجعل إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، إماطة الأذى عن الطريق من أعمال الجوارح ولو رأى إنسان قشرة موز في الطريق فأخذته الرأفة والشفقة على الناس وخاف بأن تسبب هذه القشرة سقوط إنسان و انزلاق أحد بهذا المعنى وبهذه الرحمة وبهذا الاهتمام بالمسلمين، عمل بشعبة من شعب الإيمان وأثيب على ذلك فلو ترك نقص من إيمانه بقدر ما ترك لأنه ترك شعبة من شعب الإيمان، والحياء شعبة من الإيمان الحياء عمل قلبي و"لا إله إلا الله" عمل اللسان وإماطة الأذى عمل الجوارح، إذن هذه الثلاثة كلها عدَّها النبي لا إله إلا الله" من الإيمان.
من القران: يقول الرب سبحانه وتعالى في أوائل سورة الأنفال: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ((الأنفال:2-4) ارجع إلى الآية وتدبرها، بدأ بإنما )إنما( أداة قصر )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ( خافت ورجت ما عند الله وخافت من عذاب الله هذا عمل القلب، )وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً( أيضا عمل القلب )وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (عمل القلب، )الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(عمل الجوارح، جعلت الآية أعمال القلوب وأعمال الجوارح من حقيقة الإيمان لذلك قال الله تعالى:)أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً( الذين يؤمنون حق الإيمان، الذين يتلفظون :" لا إله إلا الله " يقول :" لا إله إلا الله "صادقا من قلبه ويعتقد ويصدق ما جاء به النبي عليه السلام، يدل على ذلك خوفه من الله إذا ذُكِرَ الله وأن يزداد الإيمان عند تلاوة كلامه والاعتماد على الله دون غيره )وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ( لا على غيره يتوكلون، التوكل لا يكون إلا على الله ثم الذي يدل على صحة هذه الأعمال القلبية أنهم )يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ(كما فرضت وكما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، )وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ( هذا الإنفاق تدخل فيه الزكوات الواجبة والانفاقات المستحبة كلها والنفقات كثيرة كلها داخلة في هذا الإنفاق، هذا هو الإيمان كما صورت الآية.
وأنتم ترون أن الآية والحديث يصوران معاً حقيقة الإيمان، وأن الإيمان ليس مجرد تصديق وأن الإيمان ليس مجرد تلفظ بشهادة :" لا إله إلا الله "ولكن الإيمان مُؤَلَّف من هذا وذاك .. وذاك، هكذا صَوَّرت الآية وصور الحديث وهذا المعنى يغيب على كثير من الناس و يقعون في كثير من الإرجاء من حيث لا يعلمون.
وهنا عقيدة أخرى تسمى عقيدة الجبر وهي يقع فيه كثيراً خصوصا من المثقفين، معنى الجبر الإنسان له أعمال، أعمال العباد تضاف إلى الله تعالى وتضاف إلى العباد، فتضاف إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى الخالق لأن الله خالقنا وخالق أعمالنا وحركاتنا وسكناتنا وجميع أعمالنا، وتضاف الأعمال إلى العباد إضافة المسبب إلى السبب لأن العبد هو السبب في وقوع هذا العمل، أنت الذي صليت وأنت الذي صمت وأنت الذي تصدقت وأنت الذي جاهدت.
أهل السنة والجماعة عقيدتهم في هذا الباب إن العبد يفعل بإرادته وباختياره وبقدرته، له قدرة وله إرادة وله اختيار يفعل ما يفعل باختياره وبقدرته وبإرادته ويترك ما يترك بإرادته وباختياره ليس مجبورا على العمل وليس مجبورا على فعل الخير وليس مجبورا على فعل الشر، الله سبحانه وتعالى خلقنا وأرسل إلينا رسوله عليه الصلاة والسلام وهدانا النجدين وخلق لنا القدرة والإرادة والاختيار، أمرنا ونهانا ولم يؤمرنا ولم ينهنا إلا بعد أن خلق فينا القدرة والإرادة والاختيار ولسنا بمجانين، كل ما يفعله الإنسان من خير وشر إنما ذلك باختياره وإرادته وقدرته لذلك يثاب على فعل الخير ويعاقب ويؤاخذ على فعل الشر.
هناك قوم يقال لهم قدرية وقوم آخرون يقال لهم الجبرية، القدرية يلغون علم الله وقدرة الله ويجعلون العبد هو الخالق، يخلق أفعال نفسه الاختيارية، فقدرة الله غير داخلة في أفعاله هذه طريقة القدرية الكفر بالله، جعلوا جميع العباد من الملائكة والجن والإنس خالقين مع الله، كل مخلوق من هؤلاء يخلق أفعال نفسه الاختيارية وقابلهم من الطرف الثاني قوم يقال لهم الجبرية قالوا:"العباد مجبورون على ما يفعلون ليست لهم إرادة ولا قدرة مثلهم كمثل الشجرة في مهب الريح فتحركوا بغير إرادتها، هكذا الإنسان في أفعاله" وهذه العقيدة عوام المسلمين في عافية منها، منها ومن التي قبلها بل بفطرة يعلمون بأن العبد يفعل ما يفعل ويترك ما يترك باختياره و له قدرة؛ ولكن هذه العقيدة تُدَرَّسُ الآن، كانت تدرس عند غيرنا ولكنها دخلت الآن في بعض جامعاتنا بواسطة الوافدين من المدرسين فصار الأستاذ الدكتور يقرر أمام الطلاب وأمام الطالبات بأن الأفعال كلها لله وأن العبد ليس له قدرة ويستدل على ذلك بقوله تعالى: ) وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى...( (الأنفال: 17) والطالب الساذج لا يستطيع أن يرد عليه؛ لأن هذه الآية ليس فيها ما يدعي بل هي على العكس لأن في الآية إثبات رَمْي ونَفْيُ رمي، أي رَمْيٌ منفي عن الرسول عليه الصلاة والسلام ورمي مُثْبَتْ ولابد من التفريق بين الرميين )وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ(: ) وَمَا رَمَيْتَ( نفي، )إِذْ رَمَيْتَ( إثبات، إذن لابد من التفريق ما بين الرميين، أيُّ الرميين وقع من النبي عليه الصلاة والسلام وأيهما نُفِيَ عن النبي عليه الصلاة والسلام، الرمي معناه الحذف، حذف التراب في وجوه الكفار هذا حصل من النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولكن إيصال ذلك التراب القليل وتفريقه في وجوه الكفار حتى عمهم وأثر فيهم، هذا فِعْلُ مَنْ؟؟ فعل الرب سبحانه وتعالى.
إذن بداية الرمي من رسول الله عليه الصلاة والسلام ونهاية الرمي من الله سبحانه وتعالى، إذن رمي مثبت ورمي منفي والطالب الساذج الصغير لا يستطيع أن يناقش الدكتور بهذا الأسلوب فيستسلم ويقول:"الآية دلت على أن الرامي هو الله والرسول ليس له رمي وهذا دليل على أن العبد لا يفعل والفاعل الحقيقي هو الله"، ولو نوقش هذا الجبري لأُحْرِج وأُفْحِمَ ولو قيل له: هل في إمكانك أن تقول وما صليت إذ صليت ولكن الله صلى؟؟! أيمكن أن يقال هذا وما صمت إذ صمت ولكن الله صام هل يقال ؟؟..لا، وبعد هذا هناك عبارت لا أستطيع أن أقولها، لو قيل في السرقة وشرب الخمر وغير ذلك ما الذي فعل ذلك من الذي شرب ومن الذي سرق، هل يستطيع أن يقول غير العبد؟؟ لا يستطيع، العبد هو الذي فعل ذلك بإرادته وبقدرته وباختياره، الله نهاه عن ذلك وأعطاه القدرة والاختيار على ذلك، هكذا بالنسبة لمن يستطيع أن يحاججهم لا يجدون حجة لا في الكتاب و السنة على ما يدعون ولكن القوم يُلَبِّسُون وهكذا يفسدون عقيدة شبابنا من حيث لا يشعرون.
إذن العقيدة أولاً لابد من تحقيق العقيدة ولابد من إثبات العقيدة ولابد من تعميق العقيدة في قلوب نشئنا وشبابنا.
ثم إن شبابنا مع هذا كله واقفون على مفترق طرق، جاءهم أشياء شغلتهم عن الاشتغال بالعقيدة وعن الاشتغال بطلب العلم، العلم الصحيح من المصدر الصحيح من الكتاب والسنة، جاءتهم الانتماءات فجعل الشباب ينتمون انتماءات إلى جماعات وفرق فصاروا مشغولين بتنفيذ ما تُمْلِي عليه جماعته التي ينتمي إليها فيترك الاشتغال بالعلم "أنا مع الجماعة الفلانية والجماعة الفلانية تقول واجب الشباب أن يفعلوا كيت.. وكيت.." ولو قرأت في الواجبات التي تمليها تلك الجماعات على الشباب ما وجدت فيها تحقيق العقيدة أو تصحيح العبادة، ما وجدتَ شيئا من ذلك.
من واجب الشباب إذا انتمى إلى جماعة من الجماعات ألا ينتمي إلى جماعة أخرى وأن يكون ولاؤه لهذه الجماعة وأن يكون الحب والبغض في إطار هذه الجماعة، فصار شبابنا مشغولين بهذه الانتماءات وبالتزام هذه الواجبات التي تُمِلِي عليها الجماعات فصار الولاء والحب والبغض كله في إطار الجماعات المتفرقة فذهبت الوحدة، الوحدة الإسلامية، الحب في الله والبغض في الله والاشتغال بتحقيق العقيدة، وربما في هذه الجماعات مَنْ يعيب عليه الاشتغال بالعقيدة ما هي العقيدة؟؟ العقيدة .. العقيدة يا سبحان الله إذا كان الاشتغال بالعقيدة عَيْبَاً ونَقْصَاً ويتنافى مع أداء واجبات الجماعة فبئست تلك الجماعة التي تحول بين الشباب وبين الاشتغال بالعقيدة وتحقيق العقيدة.
عاش شبابنا في هذا البلد لا يعرفون إلا سبيل المسلمين، لا يعلمون إلا سبيل الخير فجاءهم أقوام بفرق وأحزاب وبانتماءات وزينوا لهم تزيينا فوقعوا فيما وقعوا فيه، وصدق على شبابنا ما قال عمر بن الخطابرضي الله عنه:(تنقض عرى الإسلام عروة، عروة إذا نشا في الإسلام من لم يعرف الجاهلية)، عدم معرفة الجاهلية قد يوقع الإنسان في شر من حيث لا يعلم، أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام - الذي ضرب مثلا وحلل هذا الكلام هو ابن القيم في الكتيب الذي في مكتبتكم "الفوائد" راجع الفوائد- يقول العلامة ابن القيم :"أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام مرت عليهم الجاهلية فعرفوها وذاقوا مرارتها ثم جاءهم هذا الخير على يد محمد صلى الله عليه وسلم وذاقوا حلاوة الخير وعرفوا الخير وقارنوا بين الشر الذي كانوا فيه والجاهلية التي عاشوها وبين الإسلام والإيمان الذي جاءهم على يد محمد صلى الله عليه وسلم وقارنوا بينهما فأحبوا الإسلام كل الحب وكرهوا الجاهلية كل الكره" فإذا نشا في الإسلام شباب لا يعرفون إلا سبيل المسلمين ويجهلون سبيل المجرمين ويجهلون الجاهلية، يأتي الْمُلَبِّسُ فَيُلَبِّسُ عليهم فيقول لهم:" هذا خير تعالوا بنا نتعاهد، تعالوا بنا"، نتبايع علاما؟؟ على العمل الإسلامي!!! كلمات جميلة ومعسولة، "تعالوا بنا نتبايع على العمل الإسلامي"، ما هو العمل الإسلامي الذي تقدمه هذه الجماعات؟؟ أين هو لا تراه، اجتماعات سرية وهمسات في الآذان واجتماعات في ظلام الليل ووراء الأبواب المغلقة ومشاورات سرية وهكذا..
وإذا خرجوا كل ما نرى منهم لعب الكرة على الطريقة الإسلامية عجبا!!! لعب الكرة تحول عمل إسلامي، الاشتغال بالعلم، زهدوهم فيه كالاشتغال بالعلم وزهدوهم في الاتصال في المشايخ ليستفيدوا منهم قالوا:"لا"- نريد عمل إسلامي-"، يا فتى أين العمل الإسلامي؟؟ لا تراهم، تسمع العمل الإسلامي ولا ترى تسمع جعجعة ولا ترى طِحنا - ما فيش طحين جعجعة-، الماكينة شغالة الطحين لا يخرج.
عجباً!! أين العمل الإسلامي الذي نتبايع عليه؟؟ ولماذا تكون البيعة سرية في ظلام الليل ووراء الأبواب المغلقة لماذا؟؟ وهل نحن في دار أرقم؟؟!! رجعنا بالإسلام إلى السرية فأصبحت الدعوة الإسلامية دعوة سرية في دار أرقم؟؟!!، الإسلام علني له حكومة قائمة وله دولة قائمة والدعوة سائرة، دخلت الدعوة الإسلامية علنا في دول أوروبا وأمريكا ودخلت في مجاهيل أفريقيا التي كانوا يسمونها مجاهيل فتحتها الدعوة الإسلامية السلفية في هدوء وبدون جعجعة.
الدعوة سائرة فيأتي الملبس فِي عقر دارنا فيلبس على الشباب باسم العمل الإسلامي... العمل الإسلامي... العمل الإسلامي.. ولا ترى عملا.
أيها الشباب انتبهوا لأنفسكم، التزموا منهجكم وقد رُزِقْتُم فِي دراستكم، في جامعاتكم ومعاهدكم ومدارسكم بدءاً من تحفيظ القرآن والتعليم الابتدائي إلى التعليم الجامعي، منهجاً لا وجود على وجه الأرض مثله خُذْ هذا مِن مُجَرِّب، هذا المنهج الذي تدرسون فيه فروع اللغة العربية، القرآن وعلومه الحديث وعلومه والفقه وأصوله والعقيدة على منهج السلف لا وجود له إلا عندكم احمدوا ربكم على هذه النعمة.
وإنْ جاء متحذلق فقال:"انتم متأخرون تعالوا نتبايع لنعمل العمل الإسلامي العام، لنرفع راية الإسلام فوق كل ارض تحت كل سماء نريد الخلافة العامة وبلاش من الدويلات هذه"، إياكم ثم إياكم السماع إلى مثل هذه الجعجعة، مضللة، قوم حسدوكم على ما أنتم عليه من الخير من التحابب في الله من التعاون على البر والتقوى، من دراسة المنهج السلفي السليم الذي ليس فيه شيء مِنَ الشركيات والبدع، مع دراسة حاضر العالم الإسلامي، تدرسون حاضر العالم الإسلامي وتعلمون ما يجري حولكم، فيكم من الخير ما لا يوجد عند غيركم، ولو أنكم سافرتم وزرتم تلك البلاد كالجامعات وما يدرسون من المناهج وأخلاق الطلاب هناك والتعليم المختلط لحمدتم ربكم ولَرَدَتُّمْ هذه الشبهات وهذا التزيين ولم تصغوا إليه.
وبعد الموضوع طويل والنقاط أمامي كثيرة لعل لديكم بعض الاستفسارات والأسئلة اكتفي بهذا المقدار ولعلي أتمكن بأن أعود مرة أخرى لأكمل هذا المشوار إن شاء الله
(1)حديث ضعيف، ضعفه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في ضعيف الترغيب والترهيب.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

:: رسالة الكفر بالطاغوت :: للشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تأمل رحمك الله وجعلك الله من أهل التوحيد الخلص

ثمار التوحيد في ضوء الكتاب والسنة

اقوال وحكم...